-A +A
حمود أبو طالب
رغم القلق المخيم في الأجواء العربية وحالة التوجس الشديد من المستقبل إذا ما استمرت الأسباب التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه، ورغم الصورة الذهنية السلبية التي انطبعت لدى المواطن العربي عن مؤتمرات القمة، رغم كل شيء فإن اجتماع هذا العدد من قادة الدول العربية ورؤساء المنظمات الدولية والقارية في مدينة الظهران للمشاركة في القمة العربية التاسعة والعشرين هو إنجاز في حد ذاته، فقد تدنى منسوب الأمل كثيراً باستطاعة العرب الاجتماع بعدما تشتت شملهم، وتفرقت كلمتهم، وذهب بعضهم في استقطابات خارج محيطهم العربي تستهدف أمنه واستقراره، وتعبّد الطرق لأقدام الغرباء لبسط نفوذهم في الساحات العربية.

الكلمات التي ألقاها المشاركون في افتتاح القمة تكاد تتفق على تشخيص الواقع العربي، ووصف السوء الذي بلغه، والأخطار المحدقة به، ولكن ماذا بعد، ماذا بعد المعرفة والاعتراف بالواقع، هذا هو السؤال المهم الذي نتمنى أن يجيب عليه المشاركون خلال جلسات أعمالهم، وأن تكون الإجابة برنامج عمل تنفيذياً وليس تنظيراً ينتهي بانتهاء القمة.


هناك إجماع على محورية القضية الفلسطينية وحل الدولتين وموضوع القدس، لكن هناك خلل في بعض مكونات القضية يساعد على إضعافها ويسهل المهمة للأطراف التي تريد استمرارها بلا حل، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني، وفيما يخص الأزمة السورية فإنه معيب جداً أن تتداول حلها أطراف خارجية وتصبح مسؤولة عنه في غياب تام لأي طرف عربي فاعل. أما الأزمة اليمنية والإرهاب واضطراب الأوضاع العراقية وكذلك السورية والتدخلات في الشؤون الداخلية فإن النظام الإيراني هو المسؤول الرئيسي عن ذلك، وبتغافل متعمد من المنظمة الأممية والمجتمع الدولي والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأيضا فقد ظهر طرف آخر، الطرف التركي، بتدخلات سافرة في الشأن العربي وتعديات ظاهرة على الأرض العربية، واحتضان لتنظيم إرهابي يعيث فسادا في بعض الدول لزعزعة استقرارها، والساحة الليبية شاهد حي على ذلك. وكل ما يحدث الآن ليس إلا تمهيدا لما هو أسوأ إذا لم يتم تدارك الأمور بشكل شجاع وحاسم.

ليس الأمن القومي العربي هو المهدد فقط، بل إن الوجود العربي في بعض أجزاء العالم العربي مهدد بالتلاشي، وإذا ما سُمح بذلك فسوف تتسع دائرة الخطر وسنرى أحجار الدومينو تتساقط بالتتابع. لذلك، نرجو أن تتحول شعلة الضوء التي انبثقت من الظهران يوم أمس إلى وهج يشع في ضمير القادة العرب ليتحملوا مسؤوليتهم أمام شعوبهم وأمام التأريخ.