-A +A
فؤاد مصطفى عزب
لكم كانت فرحتي عظيمة برفض مجلس الشورى استثمار الأجانب في المجمعات الطبية السعودية، كنت أقول وأنا متأكد أن عقلي يلازم رأسي، ليتهم رفضوا المستثمر من دول العالم الثالث، والذين من خلال تجربة حية اختطفوا منظومة الرعاية الصحية الخاصة في هذا البلد وعلى عجل دون حصان أو عربة، وفتحوا الباب على مصرعيه للمستثمرين من دول العالم الأول، أقول ذلك دون أن أخفف من لهجتي أو أن أدوس على عصب الغضب المتقافز في صدغي، فعار عليّ أن أمسح عن جلدي 37 عاما من معرفة المعنى الحقيقي للرعاية المتميزة والذي تعلمته ومارسته، بل ومن الظلم أن أتحول إلى نملة عمياء لا تفتح عيونها في عهد النور، فالكل راقب مشهد القطار السريع الذي خرج عن قضبانه وأصبح يحطم كل ما يعترض سيره للمجمعات الطبية التي استولت عليها مجموعة من المستثمرين الذين لا يعلم أحد من أين هبطوا؟ ومن باب رفع العتب تحت أي اسم ملعون تستروا؟ ومن سيخرج هذا الملف ويضعه على الطاولة ويبدأ بإبريق الزيت الذي سيجرف بأعداد لا حصر لها إلى بوابة هيئه مكافحة الفساد؟ والكشف عن الأشباح المتوارية تحت الستائر؟ الخائف لا يحب، وأنا أحب وطني، ولذا سأجرف الكلمات جرفاً من لساني الذي يزن نصف طن في حلقي، المجمعات الطبية التي استولى عليها المستثمرون الأجانب أصبحت كأحواض النبات التي يتكدس فيها الزرع غير المتآلف، ورود قصيرة متنافرة الألوان، وشجرة طويلة، وزحمة من الحبق، ونباتات قرطاسية، وأعشاب خرجت على هواها، ونباتات مديدة أكلت جذوع الدالية وأطبقت على عناقيد العنب وامتصت ريقها، وعناقيد العنب هم أصحاب المجمعات الطبية من السعوديين الذين أصبحوا كالأرملة التي تقطعت بها السبل، بعد أن حطم هؤلاء المستثمرون عظامهم وأصبحت 20 جبيرة عاجزة عن رتق الكسور، والمصاب الحقيقي في هذه الحادثة، هي جودة الرعاية الصحية، حيث تحول المستثمرون الأجانب إلى غول أصفر، وضعوا أيديهم على معظم المجمعات الطبية الخاصة متسترين، كل يوم هناك مستثمر أجنبي يجوب السوق السعودية الصحية كزبون لشراء مجمع طبي متعثر، وبعد أن تستكمل الصفقة يتحول إلى بائع حليب ينادي عليه باسم ليس له علاقة بالحليب! فمن يزور هذه المجمعات يرى عجب العجاب، بشر يتشابكون بكتل لحمية ضخمة ينزلقون على منضدة طبيب متواضع الخبرة والأجر وبأعداد كثيفة، والوقت ليس ملكه، يجلس خلف مكتبه كالقط الواقف على يديه الأماميتين تارة وعلى قدميه الخلفيتين تارة أخرى، يسانده في عمله عاملون محدودو الخبرة والكافة يعرفون دورهم ومهمتهم وينفذونها بحذافيرها، والحذافير قاطعة، يتبادلون وشوشة النباتات اليابسة همساً، فالكل مراقب وللكمرات أعين وآذان وأفلام تراجع بشكل يومي، والمحاسبة فورية، يقول الدكتور الأمريكي إيريك هاسلتاين: «إن أفضل الأطباء في العالم يرتكبون الأخطاء ويقعون في اختيار العلاجات الخاطئة نتيجة الإجهاد وعدم توفر الوقت الكافي لفحص المريض»، عليك يا دكتور «هاسلتاين» أن تزور هذه المجمعات لترى كيف يتطاير المرضى عن طاولات الفحص كرذاذ الثلج في بوسطن ولتعرف كم من الأخطاء اليومية تحدث! ولتعرف أيضاَ أن ليس في هذه المجمعات أفضل الأطباء، فالضمير هنا يا سيدي فقد وخزاته، وانعدم الخوف والوجل، من المسؤول عن هذه اللمة الأجنبية العائلية؟ من سمح لهم بالتكاثر كالفقع في عمق الكيان الصحي؟ من سمح لهم أن يسرحوا ويمرحوا في هذا العالم السفلي؟ أكتب ما كتبت متذكراً الأغنية التي اختتم بها دريد لحام آخر رشفة من «كاسك يا وطن».. بكتب اسمك يا بلادي على الشمس لما بتغيب، لا مالي ولا أولادي عن حبك مالي حبيب، أدندن بالكلمات، أتمسك بالمعنى، أشفق على ألم روحي وأنا أعيش في ضيافة القلق، أتأمل انتهاك الحلم والجهد والعرق واتساع الجرح وقسوة المخالب، أطرق الأبواب المشروعة والقلوب الحريصة خوفاً أن ينهار سقف الرعاية وتختصر المسافة بين قمة الإنجاز وسفح التدهور، يدي على قلبي وروحي تستعجل الحل! من يا ترى يفك هذه الألغاز ويجيب عن كل هذه التساؤلات؟.

* كاتب سعودي


fouad5azab@gmail.com