-A +A
حمود أبو طالب
في مدينتي التي كانت صغيرة وأصبحت ضخمة. في مهد طفولتي وصباي. في مرابع الزمن الجميل. وتحت هدير المدافع وأزيز الطائرات التي تحمي الوطن. فقط مسافة 20 كيلومترا أو أقل هي التي كانت تفصلنا عن الحد الذي ندافع عنه، ونرد البغاة الجهلة بسلاحنا وإنسانيتنا عنه، على بعد هذه المسافة كان هناك حدث آخر، حدث إنساني وراقٍ ومتقدم، يجسد الفرق بين المجتمعات المتخلفة والمجتمعات التي ترنو إلى المستقبل بإصرار وعزيمة.

كانت صغيرتي، وحبيبتي الأثيرة، المهووسة بالجمال والفرح والحياة والعلم، كانت مشغولة بحدث متقدم جدا. كانت أختي «غادة» مشغولة حد التعب بتنظيم مؤتمر في تخصصها «علم الأحياء»، لكنها اختارت أعقد المواضيع في هذا العلم، وأصرت على استضافة أمهر المتحدثين فيه، ومن بينهم تلك الفتاة التي قطعت المسافات وانتقلت من أقصى جنوب جازان إلى أمريكا، وقررت بكامل إرادتها ووفائها أن تعود إلى المدرسة التي كانت تعمل فيها بعد نيلها شهادة الماجستير.


كنت مغادراً يوم انعقاد المؤتمر، لكن قلبي كان معه ومع «غادة»، لأنها استحثت بذور العلم التي نثرتُها في أرض مدينتي ونثرها قبلنا والدها الذي لم يترك لنا إلا رصيداً واحدا في حساب واحد، هو حساب القراءة والعلم والكرامة والإيثار حتى لو كان ثمنه النفس الأخير في الحياة.

عزيزتي غادة:

أنا أقرأ الآن ردود الأفعال والانطباعات والآراء حول مؤتمركم، أتابع بدهشة كيف تم نقاش تعقيدات التقنية الحيوية وعلم النانو تكنولوجي في مدينة صغيرة تمخر الطائرات سماءها وتزلزل المدافع أرضها، دفاعاً عنكم يا جيل الأمل، جيل الوطن، جيل المستقبل العظيم الزاهي.

هذا وطنكم يا عزيزتي، حاولنا بكل ما استطعنا أن نقدم له الأجمل والأصدق، وقد حان دوركم، فاستلموا راية الوطن بشموخكم وإصراركم وعلمكم وانتمائكم لوطنكم العظيم. لك ولزميلاتك تحية بجمال عقولكم وأرواحكم.