-A +A
محمد أحمد الحساني
دُعيت قبل عدة شهور لحضور مناسبة زفاف، وكانت قاعة قصر الاحتفالات فخمة جداً وواسعة الأرجاء، فلما سلمت على أصحاب المناسبة وهنأت عريسهم دون أن أقبله تخفيفاً عنه مما يعانيه من قبل يطبعها على خده الرقيق نحو 500 مدعو، يرسل كل واحد منهم 10 قُبل حاسمة، مع ما قد يكون معها من عدوى ورذاذ قد تجعل العريس طريح الفراش في الليلة الموعودة، ويحتاج إلى كمادات لتخفيض حرارته العالية، رافقني أحد الداعين مرحباً واتجه بي نحو قاعة صغيرة، زعم أنها قاعة مخصصة للأشخاص المهمين، ولم يكن في تلك القاعة سوى 3 مدعوين، كل واحد منهم لا يعرف الثاني، في الوقت الذي كان في القاعة العامة نحو 100 مدعو يتبادلون أطراف الحديث والذكريات، فشكرته على عنايته وقلت له: دعني أتجه للقاعة العامة، فإن مسألة كوني شخصاً مهماً هي كما يقال «تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه»!، ولم أحضر المناسبة لأجلس مع نفسي أعد الكراسي والمصابيح والسيراميك، وأحملق في الداخل والخارج أو أنكس رأسي نحو جوالي لفتح الرسائل ومتابعة بعض الصور وما فيها من هوايل، وطلبت منه العودة إلى كراسي الاستقبال فلعله «يصيد» شخصاً مهماً غيري يرافقه إلى قاعة الـ«في آي بي»، حسب نطقها بالحروف الإنجليزية!

ولما أخذت موضعي في القاعة العامة وجدت عدداً من الأصدقاء والزملاء، فكانت فرصة لتوسيع الصدر معهم والاستفادة من تجارب بعضهم في المجال الإداري أو المالي أو الاجتماعي، ولاسيما أن أبناء جيلي أصبحوا متقاعدين منذ سنين!


وتفكرت في مسألة تخصيص قاعة جانبية لبعض المدعوين بحجة أنهم «مهمون»، وأن غيرهم من المدعوين ليسوا كذلك، فوجدت فيها عملاً غير لائق وفيه إساءة لمعظم المدعوين، فالمدعو هو المدعو ولا دخل في كونه موظفاً صغيراً أم إنساناً رقيق الحال أم جاراً أو قريباً فقيراً، فهو مدعو كغيره وعلى صاحب المناسبة مقابلته والترحيب به مثل غيره، وإذا كان صاحب المناسبة يرى أن الغالبية من المدعوين لا يشرفونه ولا يملأون عينيه السوداوين فلماذا دعاهم أصلاً ولماذا لم يخص بدعوته «المهمين» فقط لا غير، وكيف يكون الموقف لو أن مدعواً دخل على نيته إلى قاعة «المهمين» فوجد من يسحبه قائلاً له: لو سمحت تعال معي إلى القاعة العامة!

لقد كان أقصى ما يقدم «للمهمين» أن تخصص لهم مقاعد في صدر المجلس لا في قاعة منفصلة محظور دخولها على غيرهم، وكان ذلك التمييز مقبولاً على مضض وفيه مخالفة للهدي النبوي؛ لأنه جاء في السنة المطهرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، إلى درجة أن بعض الأعراب كان إذا دخل مجلسه عليه الصلاة والسلام نادى قائلاً: أيكم محمد؟ فيهش له الرحمة المهداة ويقضي حاجته من سؤال أو توجيه أو نفقة، ولكن يبدو أن المهمين وجماعتهم لم يعجبهم تخصيص صدور المجالس لهم، فكانت البدعة الاجتماعية الجديدة في بعض قصور الأفراح بأن تخصص قاعة للمهمين وأخرى للدهماء من المدعوين!

ومما يدعو للأسف أن من يبدأ مثل هذه البدع ويرسخها هم أصحاب المكانة الاجتماعية أو الذين يدعون أنهم كذلك، ثم يقلدهم غيرهم عملاً بقاعدة «إنما أطعنا سادتنا وكبراءنا».. وسلامتكم!

* كاتب سعودي