-A +A
هاني الظاهري
أنا من جيل جاء إلى هذه الدنيا في منتصف سبعينات القرن الماضي، وعندما أقرأ تصريحات سمو ولي العهد الأمير المُلهم محمد بن سلمان في كل لقاء جديد عن العودة لما كانت عليه السعودية قبل عام 1979م وأشاهد التغيير الكبير الذي يحدث في المملكة اليوم، أتنهد بألم وأرثي حياتي وحياة أبناء جيلي التي ضاعت في غياهب الظلمات والتخلف والانفصال عن العالم.

جاءت «الصحوة السوداء» التي سرقت أعمار السعوديين في ذلك العام المشؤوم وكان عمري حينها 4 سنوات فقط.. وإن افترضنا أنها توفيت دماغياً عام 2017م، فذلك يعني أنها قضمت 37 سنة بالتمام والكمال من عمري، أي التهمت أجمله (الطفولة والمراهقة والشباب) ولا أعلم ما الذي سوف أستفيده اليوم من انقشاعها سوى «لذة الشماتة بالعدو» وهي فائدة لا تساوي شيئاً في الواقع، لكن العزاء الوحيد الذي يمكن أن يخفف من حزني وحزن أبناء جيلي هو أن يشاهدوا الأمل في أعين أطفالهم ويطمئنوا على مستقبلهم الذي سيكون أفضل بسنوات ضوئية من الحياة «المعقدة والكئيبة» التي كُتبت لنا.


ككتاب وإعلاميين ومثقفين عندما كنا نكتب قبل 15 و20 سنة عن أشياء عادية كأهمية الترفيه والفن في صياغة الوعي الاجتماعي، وضرورة الانفتاح على العالم ومحاربة التطرف في مناهج التعليم، ومكافحة فتاوى المتشددين التي حولت بلادنا إلى أضحوكة في وسائل الإعلام العالمية، كانت تنهال علينا اللعنات والشتائم في كل مكان، وكنا نوصف بالزنادقة والليبراليين والمتصهينين والتغريبيين، وقد نتعرض للوم من الجهات الرقابية، وربما الإيقاف عن الكتابة في الصحف، وكان أقرب الناس لنا يتوجس منا، ليس كرهاً لنا بل خوفاً من أن يلحق به بعض ما لحق بنا، ثم ها نحن اليوم نضحك على تجاربنا تلك ونحن نشاهد خصومنا صحويي الأمس وشاتمينا القدامى وقد نزعوا ثياب غبائهم ورجعيتهم فجأة ليتماشوا مع الوضع الجديد ويتكسبوا منه، حتى باتوا يرددون بتحذلق حديثنا قبل 15 سنة كما هو بالحرف الواحد، ذلك لأن «الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».

أجزم أن في داخل كل سعودي من أبناء جيلي صوتاً يصرخ دون أن يسمعه أحد يقول «أين كنت يا محمد بن سلمان قبل 20 سنة؟.. لماذا تأخرت علينا كل هذا الوقت حتى مضت أعمارنا وشابت رؤوسنا وتجعدت جباهنا؟ ما الذنب الذي اقترفناه قبل أن نُولد لنعيش حياة تظللها لعنة الصحوة المشؤومة ونكابد فيها كل ما كابدناه؟».

في لقائه العظيم الذي نشرته التايم الأمريكية أخيراً قال سمو ولي العهد حفظه الله: «لم يعتد السعوديون على الاحتفال باليوم الوطني في السابق لأن كثيراً من المتطرفين أخبروهم بأن الاحتفال به محرم»، وهذا بالطبع أمر حقيقي عايشناه ودخلنا في صراعات مؤذية مع أولئك المتطرفين بسببه، ولذلك فأنا أدعو من هنا جيل الشباب الذين هم في أوائل العشرينات من أعمارهم إلى أن يبحثوا في google عن فتاوى تحريم الاحتفال باليوم الوطني ويتعرفوا بأنفسهم على دهاقنة التطرف الذين سرقوا حياتنا ومضوا إلى النسيان.