-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الزيارة المهمة التي يقوم بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تاريخية بكل معنى الكلمة، فهي زيارة سياسية واقتصادية واستثمارية بامتياز من خلال مباحثات ولقاءات البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي وقيادات الإدارة الأمريكية ومراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة كوزارتي الخارجية والدفاع وأعضاء الكونجرس، ثم جولة سموه الموسعة في عدد من الولايات ذات الثقل الاقتصادي في الصناعات المدنية والعسكرية المتقدة وكذلك اقتصاد الترفيه المتقدم.

التوافق السعودي الأمريكي تجاه قضايا المنطقة يمثل أحد العناوين المهمة للحصاد السياسي للزيارة، ويبعث رسالة واضحة وقوية لنظام الملالي في طهران (كفى) تقويضا للاستقرار الإقليمي والعالمي في منطقة حيوية تمثل العصب الأهم للاقتصاد وحركة التجارة العالمية، وكفى تلاعبا بنار الطائفية وتفتيت الشعوب عبر جماعات إرهابية صنعتها وتمولها إيران لتطعن بها هوية ونسيج أوطان لم تكن تعرف هذه الفتنة قبل أن يجلب نظام الملالي كل تلك الشرور في الإقليم وتهديد سلامة الملاحة البحرية، ولذلك فإن الموقف القوي للرياض وواشنطن يبعث برسالة جادة إلى كل من يعنيه الأمن والاستقرار الإقليمي، وإنذارا لمن ظنوا أن المنطقة ساحة خلفية لأطماعهم ومشروعهم التوسعي، ومن ثم ستحدد المرحلة المقبلة ملامح التصدي للخطر الإيراني المتزايد.


الجانب الاقتصادي لزيارة ولي العهد، لا بد أيضا من التوقف عنده كثيرا بالتفاؤل وقراءة موثوقة لمستقبل الشراكة بين المملكة والولايات المتحدة، فالاقتصاد الأمريكي لا يزال هو الأضخم والأكثر تأثيرا في العالم من حيث التجارة والتكنولوجيا المتقدمة والعملة، ومهما كانت أعباء الاقتصاد الأمريكي، سيظل لفترة قادمة قاطرة التقدم في الصناعات العسكرية وعلوم ومشاريع الفضاء والتقنيات الدقيقة والصناعات العملاقة من الطيران إلى الترفيه، أيضا المملكة تمثل رقما كبيرا على الصعيد الجيوستراتيجي، من خلال الموقع والقدرات والتأثير، وفي زيارة ولي العهد لمسنا الاهتمام الأمريكي والعالمي بتفاصيلها السياسية والاقتصادية والقدرة العسكرية للمملكة، وتنويع مصادر قوتها الناعمة ومكانتها، ومحفزات الاستثمار في اقتصاد جاذب وطموح تعززه النزاهة والشفافية.

لقد أثمرت الزيارة الرسمية للأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة وجولته الممتدة، عن اتفاقيات شراكة واستثمار ضخم، وتوطين للتكنولوجيا المتطورة في الصناعات المدنية والعسكرية بنسبة كبيرة في المملكة، لترسم بوضوح بداية عصرية جديدة للتنمية، أكد عليها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- لتحقيق أحلام وطموحات الوطن وتطلعات شبابه من الجنسين، والذين يمثلون أكثر من ثلثي تعداد السكان، وتوفير فضاء واسع لاستثمار قدراتهم ومقدرات بلادنا، لتكون التنمية السعودية القاطرة والرافعة الإستراتيجية لمنطقة حيوية عانت معظم دولها طويلا من الترهل والضعف التنموي ومن العنف والإرهاب.

وسط هذا التحول الوطني للتنمية يظل هدف الدولة العصرية في مركز المعادلة الجديدة التي يدير دفتها ولي العهد بانفتاح رشيد على العالم، وإرساء جسور تفاعل حضاري حقيقي، وتطويع تحديات القرن الحادي والعشرين عبر المقدرات الهائلة للمملكة، فحجم الاستثمارات القادمة في مجالات حيوية تصب نتائجها مباشرة في تحقيق (رؤية 2030) التي تدخل بها المملكة عصرا جديدا للاقتصاد الوطني، دون الارتهان لموارد النفط وعائداته، بل الاستثمار الاقتصادي الحقيقي للثورة النفطية وتعظيم قيمتها، بالتوازي مع دخول المملكة عصر الطاقة البديلة الشمسية منها والنووية السلمية ذات القدرة الإنتاجية الهائلة للطاقة الكهربائية. إنها الرؤية الطموحة وإصرار على مستقبل جديد مفاتيحه شباب هذا الوطن بالعلم والقدرات.