-A +A
أحمد عجب
يقول أحد الزملاء: نجحت في نقض الحكم للمرة الثانية أمام الاستئناف، بعد أن أصر القاضي على رد الدعوى بالرغم من الإثباتات التي قدمناها، والقضية باختصار أن موكلي يطالب بحقه في الدلالة من الوسيط الآخر الذي أخذها كاملة وأنكر حق موكلي فيها، وحين قبل الاستئناف إدخال مشتري الأرض بالقضية، اتجهت لمنصة القاضي وهمست بأذنه قائلاً: أرجوك اسأل وكيل المشتري واسمع منه إجابته ثم باغته بإبراز هذا المستند الصادر من موكله لتنتزع منه القناعة، وبالفعل نفذ القاضي هذه الحيلة وبعد أن أنكر الوكيل حق موكلي عاد واعترف به، لكن القاضي لم يضبط هذه الواقعة، وإنما طلب من الوكيل أخذ صورة المستند وعرضه على موكله وإحضار الإجابة بالجلسة القادمة!

بعد أشهر قليلة أكمل عقدين من الزمن كمحام في قاعات وأروقة المحاكم، لا أتذكر خلالها سوى مرتين أو ثلاث بالكثير التي أعجبت فيها بفطنة ودهاء ناظر الدعوى، فيما عدا ذلك كانت الإجراءات تسير بروتين ممل وقاتل للحقوق!


في الحقيقة لا أدري لماذا بقيت وقائع الجلسات صامدة دون تغيير طيلة هذه السنين، يتم سؤال المدعي عن دعواه ليجيب بأنها نفس المدونة باللائحة التي أودعها منذ شهرين بصحائف الدعوى، ثم يسأل محامي المدعى عليه عن الجواب فيطلب الأجل لإعداده في كل مرة، وهكذا تمر الأشهر الطويلة حتى يمل المتخاصمان من الكلام المكرر ويمل الكاتب والحضور والقاضي أيضاً، ليعلن حينها بأنه لم يعد هناك جديد ليقدمه الطرفان وترفع القضية للدراسة والتأمل!

لماذا لا يستفيد القاضي من التطور الهائل للتقنية الحديثة، لماذا لا يفاجئ الوكيل الذي أشغل وقت المحكمة بكثرة استمهالاته، تعال عندي هنا واتصل بالأصيل صوت وصورة واسأله قدامي عن مدى صحة الدعوى، أو اتصل عليه وقوله إنك خرجت من الجلسة وشغل الأسبكر كي نعرف حقيقة ما يدبره، أو هات جوالك لأرى الرسائل التي تتبادلها معه حتى ليلة البارحة لتبحثا فيها عن كذبة جديدة للمماطلة، أو لماذا لا يكتب القاضي رسالة من جوال الوكيل على أنه هو ليستدرج الموكل حتى يعترف، لماذا لا نرى مثل هذه الحيل الذكية حتى يستأنس بها القاضي وصولاً للحقيقة؟!

حتى أكون منصفاً، هناك تطور تقني ملحوظ بإجراءات تنفيذ الأحكام، لدرجة أنك تستطيع تقديم الطلب من مقر منزلك عبر بوابة وزارة العدل، ومتابعة إبلاغ خصمك بقرارات التنفيذ الصادرة بحقه من خلال الرسائل القصيرة التي تصلك، حتى إنك لا تتردد في منح الدرجة العالية حين يطلب منك الدخول على الرابط وتقييم الخدمة المقدمة، لكن هذا كله مع تقديرنا له، يشبه ترميم البيت من الخارج وتهذيب أشجار وأنوار السور، في حين تبقى الغرف الداخلية ضيقة وموحشة وأغلبها دون نوافذ للتهوية، مما ساعد على تراكم القضايا وزيادة أعراض الربو والروتين والاختناق، وهذا يقودنا لسؤال حلقتنا لهذا اليوم، وهو إذا كانت الاستفادة من التقنية مشروعة وممكنة بهذا الشكل فأين دهاء القاضي عنها؟!