-A +A
نورة محمد الحقباني
أخيراً، التقيت في مقهى بوسط لندن امرأةً يبدو أنها تجاوزت من العمر السبعين عاماً، كانت تقرأ جريدة ورقية وزعت على المارة في شارع بالقرب من محطة قطار.

لا أعرف لماذا بدأتُ أرقبها وأراقب ملامحها وتعابير وجهها وطريقة تفحصها للصفحات حتى بدا لي أنها «شغوفة» بالقراءة، وهو ما جعل فضولي يتزايد لكي أعرف أسباب ذلك الشغف في زمن قلّت فيه القراءة والكتابة، خصوصاً وهي تركز على كل صفحةٍ وترتشف بين لحظةٍ وأُخرى قهوتها وتعيش عالمها.


لم أتمالك نفسي فاستأذنتها بالسؤال؟

استجابت وقالت بكل تأكيد، فقلت ألاحظ استمتاعك بقراءة صفحات صحيفة ورقية، ألم تجربي بعد القراءة عبر الهاتف المحمول أو الآيباد؟

رمقتني بنظرةٍ حادةٍ وردت بأنها تملك «موبايل»، ولكنها تقرأ الورقية حتى تتيقن تماماً أن ما قرأته صحيح وليس شائعة، وأنها منذ زمن بعيد لا تثق إلا بما يطبع على الورق، أما ما يُكْتَبُ في النت فلا تزال لا تأخذه على محمل الجد.

حقاً، لا ألومها، ليس لكونها امرأةً كبيرةً واعتادت على قراءة صحف الورق، ويصعب عليها أن تثق في بعض مواقع التواصل تحديداً في ظل اختلاط الحابل بالنابل وسرعة تسويق الشائعات وكأنها حقائق ثابتة وفبركة الصور والأخبار حتى على أناس أحياء.

وهو ما حدا بغالبية الصحف والمواقع المعروفة والسياسيين والمشاهير وحتى الأشخاص العاديين إلى توثيق حساباتهم في مواقع التواصل، حتى تبقى مصداقيتهم عالية عند الجمهور، ولفضح المتطفلين والمفبركين.

لا شك أنّ كل مواطن أصبح صحفياً في ظل تزايد منصات التواصل الاجتماعي وتدفق الأخبار حتى أنه لا يمكن تأجيلها لليوم التالي كما كان سابقاً، وفي الغالب الخبر المطبوع نفسه هو المقروء في ذلك الحساب أو غيره، بل إن من مزايا المواقع الرقمية والنشر الإلكتروني، سرعة البث الخبري وتحديثه وعدم انتظار صدور الطبعة ونزولها إلى الأسواق.

أخذت تلك السيدة تقلب صفحات الجريدة وتنتقد بعض الصفحات، وبدا أنها تحفظ تفاصيل صحيفتها وكُتَّابها وأين تتواجد الأخبار والتقارير والألعاب. أعجبتني حماستها وصدق ردودها، حتى لو لم يرق لي جزء مما تقوله وتصر عليه في زمن بات العالم يتهاتف ويتحدث رقمياً.

استرسلت في الحديث معها عن صحافة الماضي والتغيرات الزمنية اللاحقة، ثم قلت لها هل تعلمين أن بعض الصحف الورقية تحولت كاملة إلى صحف إلكترونية والبعض الآخر لايزال يصدر ورقياً، ولكن سيتحول، وربما لن تجدي ورقاً تقرأينه لاحقاً!

ردت بابتسامة: أعلم ذلك، وكلامك صحيح، ولكن وقتها سأتوثق من أي خبر أجده إلكترونياً أو غيره، وربما أضطر إلى متابعة الإذاعة المحلية (الراديو) لسماع الأخبار من خلالها، حتى أتأكد مما يقال ويتم تناقله. وكأن حالها يقول «وما آفة الأخبار إلاّ رواتها»!.

هذا الرأي ضد بعض المواقع ليس رد فعل تلك السيدة العجوز وحدها ولكنْ غيرها كثيرون، بسبب تزايد الشائعات والفبركات التي يتم تداولها عبر «واتساب» وتويتر وفيسبوك ومنصات اجتماعية آخرى.

فما ذنب التطور التقني والتكنولوجي في أن يكون ضحية لعبث مروجي الشائعات والأكاذيب ما يخلف أضراراً مجتمعية جسيمة، من ضمنها فقدان الثقة والتشكيك في مصداقية الأخبار؟

لذلك على الوزارات والجهات المعنية ووسائل الإعلام توعية الناس عبر حملات مدروسة لتفعيل الرقابة الذاتية وكشف الشائعات والمعلومات المغلوطة والمفاهيم الخاطئة المنتشرة في مواقع التواصل، خصوصاً مع وجود ظاهرة الأسماء المستعارة، والشخصيات الوهمية، التي تستهدف المملكة لأهداف تخريبية.

*‏ إعلامية وكاتبة سعودية