-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
لا تزال تداعيات فضيحة الفيسبوك تتوالى وخسائرها المادية بالمليارات، والأخطر منها اهتزاز الثقة بعد أن سرب أحد مسؤوليها عبر الأبواب الخلفية، أو كما نقول نحن (من تحت الطاولة) بيانات 50 مليون مستخدم، فقامت الدنيا ولم تقعد في أمريكا وأوروبا على الصعيد السياسي والقانوني والإعلامي، وفتحت ملفات مخفية ستثير دخانا في قادم السنين.

ولأن عدد مستخدمي فيسبوك نحو ملياري شخص في العالم، فإن لدى هذه الشبكة الأشهر معلومات وبيانات وربما فضائح بلا حدود عن ملايين البشر الذين سكبوا خصوصياتهم، بل أراقوا ضمائرهم وأخلاقهم على قارعة الشبكة العنكبوتية، وظنوا أن خصوصياتهم في مأمن، خصوصا من مجتمعهم الأسري والمجتمعي.


المؤكد أن اختراع وتطور الإنترنت منح البشرية فوائد لا تحصى في كل مجال، إلا أن الإنسان يخسر الكثير عندما يخلع أم رأسه (المخ) ويسلمه طائعا مختارا لتلك، وفي هذا حدث ولا حرج عن الجهلاء والسذج والمعجبين بأنفسهم وبكلامهم وأفعالهم على شبكات التواصل التي يثريها العقلاء، ويتربص خلفها أشرار وانتهازيون ومبتزون وقبحاء القول والفعل، والذين يتصيدون البشر في نصب واحتيال، ولا ننسى أفاعي الفكر الضال.

التناول الإعلامي لفضيحة فيسبوك ركز معظمه على الخسائر الاقتصادية وهي بمليارات الدولارات، وغفل عن خسائر أفدح تتمثل في المستخدم المغيب فاقد الرشد في تفاعله الإلكتروني، ففي عصر الإنترنت باتت المعلومة والبيانات شروطا إلزامية لفتح حساب التواصل، كالهواتف الخاصة، فإذا بكل ما في الجوال من بيانات ومعلومات وصور ورسائل ودردشات في ما يقال وما لا يجب أن يقال، رصيد معلوماتي لدى التطبيقات وسلعة في بورصات التطبيقات والشبكات الإلكترونية.

السؤال: كم من ملايين البشر على الفيس والواتس وغيرهما يشعرون حقا أن خصوصياتهم في أمان؟، حتى لو علموا أنها تحت يد وتصرف تلك الشبكات في خزائن معلوماتية لا تحسب بالوزن ولا بالأطنان، فلا ورق ولا حبر ولا ملفات، إنما تقنيات بالغة التطور، ولأن معلومات مليارات المستخدمين هي حق حصري لتلك الشركات الإلكترونية العملاقة، فقد أتاح الفيسبوك أخيرا خدمة جديدة صادمة، إذ يعرض على مستخدميه إمكانية الحصول على نسخة من معلوماتهم وهواتفهم وصورهم إذا رغبوا في ذلك. فما شعورك عندما يكون (على رأسك بطحة) بسوء الأفعال الإلكترونية، بدلا من ريشة التواصل النظيف.

كشف التطبيقات الإلكترونية العملاقة لبيانات المستخدمين احتمالا وارداً بأي ذريعة ولو بالخطأ، واستغلالها أمر مؤكد في جلب دعايات بمليارات الدولارات، بعد أصبح كل مستخدم رقما في رأسمالها، وهي بالقطع لا تبتز مستخدمين عاديين، لكنها تستطيع رصد خارطة مجتمعية لتوجهات واهتمامات الأمم والشعوب، وبالتالي الخطر يكمن في إمكانية توظيف تلك الشبكات في هدم القيم وإضعاف الروح الوطنية، وإذا كان التطور المتسارع سيحمل الكثير من المفاجآت الإلكترونية المفيدة، فإنه حتما سيتغول في هتك خصوصية البشر وأسرار دول، وحروب إلكترونية وصراعات وضربات تحت الحزام بين دول عظمى، كما يحدث حاليا بين أمريكا وروسيا.

الحاصل أن العالم المتقدم يتنافس في السباق الإلكتروني وتقنياته، فالثورة التقنية والمعلوماتية غيرت الكثير في اهتمامات الإنسان وفي حياة العصر واقتصادياته، وفي العلم والتجارة وحتى في مفهوم رأس المال، وهنا تتجلى قضية الوعي والعقل كيف نستفيد ونتفاعل مع هذا التطور دون ضرر أو خطر على وطننا ومجتمعنا.