-A +A
محمد الساعد
ما الذي يجمع بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وما هو الأمر الذي دفع كلا منهما لمواجهة التحديات رغم صعوبتها ومخاطرها الجسيمة، دون النظر للمصالح الشخصية أو المكاسب الوقتية.

لعل أهم ما يميزهما هو إيمانهما بأمتيهما الذي ينطلقان منه، الأمير محمد «السعودية»، وترمب «أمريكا»، وحق بلديهما في أخذ مكانتيهما اللتين يستحقانها في العالم الجديد، إضافة لامتلاكهما لتلك الشجاعة والجسارة التي لا نظير لها، وقدرتهما على مخاطبة الناس بلغة شعبية بسيطة، وتعاملهما بعفوية مع الناس دون تكلف أو ادعاء، لديهما صراحة مطلقة وما يفكران فيه يقولانه بلا تحفظ، أتيا للقيادة وبلداهما يعانيان ضعفا اقتصاديا شديدا، لديهما طموح كبير لنشر صيغة اقتصادية تناسب الأغلبية التي سحقها الفساد والاستيلاء على الأموال.


في نظري أن ما سبق هو ما جعل «القائدين» ينسجمان سريعا، الأمر الذي دفع ترمب لوصف صداقته بولي العهد السعودي بالصداقة العظيمة، وهذا تحديدا ما سينعكس سريعا على كثير من الملفات التي تركها أوباما عالقة بين البلدين في مهب الريح.

لكن ما هي التأثيرات المنتظرة والمباشرة من العلاقة بين «قيادتين» لديهما نفس الطموح ونفس الحيوية ونفس الرؤية.

أولا.. وأد الإرهاب بروافده الثقافية الأيديولوجية والتمويل المالي والحاضنين له، سواء كانوا إقليميين كإيران أو دولا صغيرة كقطر؛ أي أن التعامل مع الإرهاب لم يعد قابلا للنظر إليه بوجهين أحدهما خشن والآخر مائع؛ لأنه المعوق الأساس للنمو الإنساني والمعرفي في هذه المنطقة من العالم، وستبقى السعودية ذات المكانة الكبرى إسلاميا وعربيا وإقليميا الباب العالي للتصدي لقوى الإرهاب السنية والشيعية في المنطقة.

ثانيا.. على المستوى الاقتصادي ستكون الرياض نقطة التقاء بين الشرق والغرب من خلال منطقة نيوم والمناطق «اللوجستية» بين المملكة والأردن ومصر، ما سيجعل منها رمانة التوازن الاقتصادي في شكله الجديد، عازمة على بناء اقتصاد معرفي وصناعي وسياحي، وهي في طريقها إلى ذلك لن يمنعها من الوصول إليه إلا الموت، كما قال ولي العهد حماه الله.

ثالثا.. بناء علاقات تجارية على أساس تبادل المنافع المشتركة؛ فالسعودية ستتحول من مشتر للمنتجات الأمريكية والغربية إلى مصنع لجزء كبير منها، ما يعني تدوير الدولارات في البلدين بما يخلق الوظائف ويزيد الثروات.

رابعا.. لا شك أن لكلتا العاصمتين رؤيتها السياسية والأمنية الخاصة لإعادة تموضع بلديهما في المنطقة والعالم، وهي رؤى مستقلة تحترم خصوصية كل بلد وفضاءاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

خامسا.. السعودية ليست سورا قصيرا أو بيتا للرعاية الاجتماعية في الشرق الأوسط، يخطئون في حقها ويأتون للمصالحة، يكيدون ويرسلون الرسل، يخونون ثم يستغيثون طالبين الصفح، كل ذلك انتهى وما عادت الرياض إلا العاصمة الصلبة التي تعيد الصاع ألفا لمن يخونها، وهي تتعامل اليوم مع العالم بلغة التحالفات، فمن يقف مع الرياض وتوجهاتها ومواقفها فأهلا وسهلا به في قلب المملكة وعينها، ومن يتخذ مواقف سلبية فلا ينتظر منها أن تقف معه، نحن لن نؤذي أحدا لكننا لن نتسامح.

لا شك أن الزيارة الحالية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للعاصمة الأمريكية واشنطن، وما سبقها من زيارات للندن والقاهرة ليست للتاريخ فقط، بل هي بناء لبعد «جيوسياسي» جديد في المنطقة والعالم، وسيكون لها انعكاسها الدولي والإقليمي، فالمنطقة عانت من الإهمال الأمريكي خلال إدارة أوباما، بل قامت بعمل استدارة غير محسوبة العواقب نحو دول الإقليم وخاصة إيران، فإذا كان العالم لم يكتب صياغة واضحة للألفية الجديدة، فنحن اليوم أمام من يكتبها ويساهم في خطوطها العريضة.