-A +A
أحمد عجب
تقول الحكاية المعبرة: كان لأحد الأثرياء مزرعة على الشاطئ، وفي أحد الأيام أعلن عن حاجته لعامل يشرف عليها، فتقدم للوظيفة أربعة أشخاص فقط، أما البقية فكانوا يخشون من تلك الأمواج العاتية التي تأتي فجأة من عرض البحر فتعصف بالمباني والمحاصيل، وقد كان من بين المتقدمين شاب قصير ونحيف، حين اقترب منه المالك سأله: هل أنت جيد في أعمال الزراعة!؟، فأجابه الشاب بكل ثقة: نعم.. فأنا الذي ينام عندما تهب العاصفة!؟

طبعاً تم استبعاد الشاب، وتم تعيين أحد المتقدمين، لكن المالك طرده بعد أن سطا اللصوص على المزرعة وسرقوها، ثم عين الثاني لكنه لقي مصرعه عندما هبت العاصفة وسقطت عليه الألواح والهناقر، أما الثالث فلم يستمر طويلاً خوفاً من نفس المصير، حينها تملك اليأس قلب المالك وقال لماذا لا أجرب ذلك الشاب، وبالفعل استدعاه وبدأ يعمل جاهداً بالمزرعة من بزوغ الشمس حتى الغروب، وفي إحدى الليالي سمع المالك دوي الرياح فقفز منزعجاً من فراشه وحمل المصباح واندفع بسرعة إلى الحجرة التي ينام فيها الشاب، ثمّ راح يهزّه ويصرخ فيه بصوت عالٍ «استيقظ: فهناك عاصفة آتية، قم ثبِّت كل شيء واربطه قبل أن تطيّره الرياح»!!


استيقظ الشاب منزعجاً وقال له بحزم: «لا يا سيّدي فقد سبق وقلت لك أنا الذي ينام عندما تهب العاصفة»، هنا أصاب المالك غضب شديد وعزم على طرده في الصباح، لكن عليه الآن أن يخرج عاجلا خارج المنزل ليستعد لمجابهة العاصفة، وعندما وصل أصابته الدهشة، فقد اكتشف أن كل الأشجار محمية، والحظائر مغطاة بمشمّعات، والبقر بالحظيرة، والطيور بالأعشاش، والأبواب عليها أسياخ حديدية، والنوافذ محكمة الإغلاق، وكل الأمور تسير على ما يرام، حينها فهم المالك مغزى مقولة الشاب الذي خطط لمواجهة الكارثة لينام وقت وقوعها بأمان!

في حياتنا العامة تواجهنا عواصف اجتماعية عديدة لا نصحو للتعامل معها إلا وقت وقوعها، مما يضاعف من أضرارها، كذلك الحال في العواصف الاقتصادية، غالباً ما يفشل المسؤول المكلف بلمف ما في تخطي الضائقة، فتتفاجأ بأنه لا يملك أي خطة مسبقة لتجاوز الأزمة المالية التي تمر بها الشركة أو المؤسسة أو المنشأة، وكل ما يفعله لمواجهة رياح الخسائر، هو تسريح العاملين وترشيد المصروفات وطلب التسهيلات البنكية التي تدفع بالمنشأة لحـافة الهاوية!

لهذا سعدت بقرار تدريس كتاب (حياة في الإدارة) للأديب الراحل غازي القصيبي، لأن الطلبة سوف يقفون على تجربة عملية ثرية تحاكي العواصف الإدارية التي تقع بفعل غدر الأصدقاء وعداوة الحساد، وكم أتمنى تدريس كتاب ينمي أفكار مواجهة الأزمات والمخاطر، حتى ينام أبناؤنا المكافحون قريري الأعين عندما تهب عواصف الحياة.