-A +A
هاشم عبده هاشم

* الرئيس «ترمب» مدعو لإزالة العقبات أمام توسع الاستثمارات مع أمريكا

* عملية السلام بالمنطقة ممكنة.. وفقا للرؤية السعودية الجديدة للتسوية


* إيقاف الحروب بالمنطقة.. وخروج الجميع من مناطق الصراع.. رهن تفاهم أمريكي ـ روسي

* التحرك السعودي.. ومن موقع قوة.. يعيد السلام إلى اليمن وسورية وليبيا

* ترمب.. يعيد النظر في الاتفاق النووي مع إيران بعد عزل تيلرسون

* مشروع ضخم لإعادة بناء ما دمرته الحروب.. بعد 6 أشهر من الآن

* سقف زمني محدد.. لإقرار سلام في المنطقة برعاية أممية ودعم الكبار

** من المؤكد أن لقاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالرئيس الأمريكي «ترمب» في البيت الأبيض يوم 20 مارس الحالي، سيكون مختلفاً هذه المرة عن اللقاء الأول، الذي تم بينهما في نفس الشهر من العام الماضي، وكذلك عن لقائهما الثاني في المملكة خلال عقد القمة الكبرى في الرياض بتاريخ 20 و21 مايو 2017 للتصدي للإرهاب من خلال التزام أكبر تجمع دولي دعت إليه المملكة، ونظمته في عاصمتها بنجاح تام وغير مسبوق.

** ويرجع الاختلاف في اللقاء المقرر هذه المرة، عن اللقاءين السابقين للأسباب الجوهرية التالية:

* أولا: بالنسبة للرئيس «ترمب»

1- فإنه قد أمضى في البيت الأبيض مدة كافية منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.. أتيح له خلالها أن يُلم بالكثير من التفاصيل الدقيقة ذات الصلة بعلاقات بلاده بالدول المؤثرة في هذا العام بشكل عام.. وفي منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة.. وبالمملكة العربية السعودية كصديق موثوق ومحوري يُعتمد عليه في تدارس كافة الأوضاع والخروج برؤية أكثر توافقاً حول قضايا المنطقة والعالم.

2- إن السياسة الأمريكية الخارجية لتقييم الأحداث والتطورات في المنطقة.. واتخاذ موقف واضح ومحدد من السياسات الإيرانية المهددة للسلام في المنطقة والعالم.. وبالذات تجاه خروقاتها للاتفاق النووي الموقع مع الدول (5+1).. قد حان وقته، وذلك بعد تعيين «ترمب» لرئيس الـ(CIA) مايك بومبيو وزيراً للخارجية خلفاً للوزير السابق «تيلرسون» تحقيقاً للانسجام المفقود بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية.. وبالذات تجاه الملف النووي الإيراني.. وقضايا إقليمية أخرى في منطقة الخليج وغيرها.

مراجعة الموقف الأمريكي من قضية القدس

3- إن الرئيس الأمريكي «ترمب» قد اتخذ قراراً نعتقد بأنه يتطلب مراجعة جذرية.. وذلك بنقل السفارة الأمريكية إلى «القدس» واعتمادها عاصمة لدولة إسرائيل.. وتأثيره الكبير على عملية السلام بالمنطقة وعلى الدور الأمريكي المحوري.. كطرف راعٍ لهذه العملية.

4- إن سياسات الرئيس «ترمب» القائمة على أساس «أمريكا أولا» سواء في جانبها الاقتصادي.. أو الأمني.. والسياسي.. بحاجة إلى تصحيح لبعض الأدوات والآليات والسياسات والأنظمة والقوانين المحتاجة إلى تصحيح.. وذلك باستيعاب حقوق ومصالح الدول الأخرى.. ولا سيما الصديقة منها للولايات المتحدة الأمريكية.. وحمايتها من أي أضرار قد تلحق بها في أي وقت من الأوقات.

مشروع سلام شامل يحفظ حقوق ومصالح الجميع

* ثانيا: أما بالنسبة للأمير محمد بن سلمان..

فإن هذه الزيارة الهامة تأتي في ظل الأوضاع التالية:

1- إن الأمير محمد يزور الولايات المتحدة بعد أن أصبح ولياً للعهد.. وقد حظي بكامل الدعم والمؤازرة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لقيادة مرحلة جديدة من البناء لمملكة طموحة وذات رؤية تحديثية شاملة وبعيدة النظر.. وصولاً إلى مستقبل مختلف لدولة متفاعلة مع العصر.. ومواكبة لتطوراته العلمية والثقافية.. وحريصة على تحقيق نقلة نوعية ليس لهذه البلاد فحسب، وإنما لمنطقة الشرق الأوسط والعالم من ورائها.. وإن الكثير من التوجهات والخطط والبرامج قد تحققت على الأرض.. في ظل إرادة سياسية قوية على إحداث تغييرات جذرية ومفصلية.. فعالة.

2- إن المملكة حريصة على أن تظل الولايات المتحدة الأمريكية هي الشريك الأول والرئيس لتحقيق هذه النقلة النوعية التي تقوم بها.. وذلك في ظل الإمكانات الهائلة التي تملكها.. وبالتالي فإن الكثير من الفرص الاستثمارية الضخمة لدينا سوف تكون متاحة أمام هذا الشريك المحوري والأساسي والمهم في ظل الجهد الجاد المطلوب لإزالة العديد من العقبات.. والقوانين التي لا تخدم مصالح البلدين، وفي مقدمة تلك القوانين.. قانون «جاستا».. وبالذات بعدما ثبت للعالم كله.. ولأمريكا قبل غيرها أن هذه البلاد حكومة وشعباً.. دولة سلام ومحبة وبناء وتنمية وضد كل سلوك لا يرسخ هذه المبادئ ولا يرعاها.. وأن الوقت قد حان لتعزيز الثقة بيننا وبين الأمريكان.. وإزالة بعض التشوهات التي اعترضت طريق بلدينا في السنوات الأخيرة.. بكل ما يحمله الأمير الشاب من عزيمة وإصرار وقدرة على التغيير الإيجابي لخدمة العلاقة المحورية بين بلدينا وشعبينا.

** ولدي إحساس قوي -كمراقب- أن الرئيس ترمب يتفهم وجهة النظر هذه جيداً.. وأنه سوف يعمل على التصحيح المطلوب بالتعاون مع الكونغرس الأمريكي كضمانة لعلاقات أكثر قوة ومتانة وعمق في المستقبل القريب.

3- إن التوصل إلى اتفاق واضح وضمانات كافية تكفل حقوق ومصالح الطرفين.. من شأنه أن يشجع على إدراج شركة أرامكو في بورصة نيويورك.. كقوة إضافية جديدة لدفع الاقتصادين السعودي والأمريكي إلى الأمام وتنشيط حركة الاقتصاد العالمي المتأرجحة بين الصعود والهبوط بعيداً عن المخاوف من أي نوع كانت.

إيقاف الحروب بداية التنمية الخلاقة

4- إن المملكة العربية السعودية المهمومة بقضايا المنطقة.. وتوتراتها.. بكل انعكاساتها السلبية على الشعوب.. تجد في هذه الزيارة الهامة فرصة عظيمة لطرح الأمير الشاب على الرئيس «ترمب» وإدارته، وكذلك على الكونغرس الأمريكي.. مشروع سلام شامل من شأنه أن يحقق السلام العادل في سائر أرجاء المنطقة بدءا بقضية فلسطين.. على أساس حل الدولتين.. وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.. وانتهاء بتحقيق التسويات السلمية في كل من سورية.. واليمن.. وليبيا.

ويقوم المشروع الجديد على الأسس والمبادئ التالية:

* إيقاف الحروب والمواجهات العسكرية.

* ضمان حقوق الدول والشعوب في الأمن والاستقرار والحفاظ على الوحدة الوطنية والسيادة على كامل أراضي الدولة ودون تجزئة.

* منع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لهذه الدول.. وضمان خروج القوى الأجنبية من أراضيها.. بعد كفالة عدم الخرق لهذا الاتفاق من قبل أي طرف ومواجهته بكل قوة من قبل الجميع في حالة وقوع أي تجاوز.

* بدء حوار سياسي نشط وفعال بين سائر القوى المتصارعة داخل كل دولة تحت رعاية مباشرة وكاملة من الأمم المتحدة دون غيرها.. وبتعاون كافة الدول المتداخلة في الحروب الراهنة.. وبسقف زمني لا يتجاوز 6 أشهر من بدء العملية السياسية.. وبتضامن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وقبولها بما تتوصل إليه المنظمة الدولة في هذا الشأن.

* عقد مؤتمر دولي لدعم مشروع إعادة إعمار الدول الثلاث المتضررة من جراء الحروب.. ووضع آليات فعالة لإعادة الإعمار فور استقرار الأوضاع في كل دولة.. ووفقا لما تقرره الأمم المتحدة عند ذاك.

* التوقيع على معاهدة سلام شرق أوسطية تشارك فيها جميع دول الإقليم.. من قبل السلطات المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، بعد إنجاز عملية سلام متكاملة داخل كل دولة.. تحقيقاً للتعايش المستدام بين الجميع.

* وبهذا الاجتهاد الذي أتخيله.. تصبح الأرضية ممهدة.. لتحقيق تحولات كبرى في أرجاء المنطقة بعد أن أوشكت على الانهيار تماماً.. وبعد أن تزايد قلق الشعوب من المستقبل.. وانخفض مستوى الثقة بين دول العالم كبيرها وصغيرها.

* وبكل تأكيد.. فإن الجميع تضرر بما حدث وما زال يحدث في المنطقة.. وهو الوضع الذي يصعب تجاهله.. أو القفز عليه.. أو العمل بمعزل عنه.

سقف زمني لإعادة الاستقرار إلى المنطقة

** وبقدر ما قد يتصور البعض أن التوصل إلى تسوية من هذا النوع أمر مستحيل.. ولا سيما في ظل الصراع القوي والمتجدد والصامت بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.. وبدرجة أقل.. بينهما وبين الصين.. العضو الثالث والمؤثر في مجلس الأمن.. بقدر ما أشعر -أنا كمراقب- أن الجميع محتاج إلى هذه المراجعة الجادة لمجمل هذا الوضع الملتهب ومدى تأثيره السلبي على كافة دول العالم وشعوبه.. وعلى اقتصاداتها بشكل خاص.. وبالتالي فإن دولة محبة للسلام.. وحريصة على إعمار الكون.. وتحقيق المستقبل الآمن.. والأفضل للجميع.. كالمملكة العربية السعودية.. تبدو أكثر استشعاراً لهذه المسؤولية بالتعاون مع دول مؤثرة في الإقليم وفي خارجه.. لإحداث هذه الانعطافة الهامة في تاريخ الحروب والصراعات بمنطقة أصبح عليها.. وعلى شعوبها أن تقرر: أن تكون أو لا تكون بعد اليوم.

** وإذا نحن لم نستثمر هذه الرغبة المسؤولة في إيقاف تداعيات الحروب.. من موقع قوة.. وحُسن تبصُّر.. فإن المستقبل القريب سيكون مروعاً أكثر من أي وقت مضى. وعلى الدول والشعوب أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة الآن.. وقبل فوات الأوان لإيقاف الكارثة الأكثر بشاعة في ظل تجاهل الحقائق الموضوعية الراهنة أمام الجميع.

** لكل ذلك أقول.. إن التحرك السعودي القوي في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ومن قبل إلى بريطانيا، وما قد يتبعها من جولات أخرى باتجاه الشرق أو الغرب، يهدف إلى نشر ثقافة جديدة في هذا العالم، تقوم على التسامح.. والتعايش.. وصناعة المستقبل الآمن للجميع.. بعيداً عن المؤامرات.. وثقافة الكراهية.. ونشر الأحقاد.. واضطهاد الشعوب.. وهضم الحقوق.. والاستقواء على الضعيف.. وإشاعة الخوف والرعب.. والإحساس بعدم الأمان.. في مختلف أرجاء العالم..

* * *

** هذه الرسالة الجديدة.. والقوية.. عندما تنطلق من العاصمة الرياض.. ويحملها معه الأمير محمد بن سلمان.. إلى كل الدنيا.. إنما تمثل الأمل في الجديد لإعادة التوازن لهذا العالم المرتبك.. لبناء دولنا وإسعاد شعوبنا.. بعد أن أوصلها اليأس إلى درجة.. فقدت معها طعم الحياة.. في ظل سيادة منطق الغاب سنين طويلة.. وشعوب الأرض لا تكاد تخرج من مأساة.. إلا وتقع في مأساة أكبر.. وأسوأ منها.

* * *

** وقد يكون من المبكر الآن الحديث عن الوجهة القادمة للأمير الشاب بعد هذه الزيارة المرتقبة لواشنطن، وتعزيز مختلف أوجه التعاون ليس فقط مع الإدارة الأمريكية، وإنما مع شركائنا الأقوياء في الهيئات والشركات والمؤسسات الأمريكية.. ولا سيما المعنية بتغيير وجه المستقبل في الدول «الحالمة»، ونحن في مقدمتها بإحراز نقلة نوعية في مختلف مناحي الحياة في بلادنا، مستفيدين من كفاءة الاقتصاد السعودي، وثقة اقتصادات العالم، وفي مقدمته الاقتصاد الأمريكي في مشاركتنا العمل في إطار رؤية 2030 الطموحة، وما بعدها.

** ومن هنا نستطيع القول إن الزيارة مهمة للغاية للعبور نحو المستقبل معاً.. بعد أن كانت اللقاءات السابقة بمثابة استكشاف وتدارس وتلمس للطرق المؤدية إلى دعم وتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في المرحلة القادمة.. وذلك بعد أن أصبح لدى الأمير محمد.. ما يملكه.. ويقوله للأصدقاء في الولايات المتحدة.. وبعد أن صارت القناعة لديهم كبيرة بأهمية المضي مع هذا الشريك إلى أبعد الحدود وأقصاها.