-A +A
محمد مفتي
لطالما سعت القيادة القطرية للظهور أمام العالم بمظهر الضحية، التي تحمل سلاماً للعالم أجمع، وهو الأمر الذي لم يتغير على الإطلاق وحتى قبل اندلاع الأزمة الأخيرة بينها وبين جيرانها الأشقاء، بل ازداد الأمر على نحو ملحوظ، في محاولة يائسة من القيادة القطرية لإدانة الجميع وغض بصرهم عما تقوم بتدبيره سراً وعلانية، وفي خلال ذلك تلمح حيناً وتصرح أحياناً بأن كل من حولها يطمع في مواردها وخيراتها، وتستعين بآلتها الإعلامية لتحقيق ذلك من خلال مسلكين رئيسيين؛ الأول دعائي ترويجي يغلب عليه الاستعطاف والاستجداء وادعاء المسالمة والبراءة، والآخر تحريضي تسعى من خلاله لنثر بذور الشقاق ومحاولة زعزعة استقرار الدول الأخرى، وما بين الترويج والتحريض مساحة كبيرة تستغلها قطر لتحقيق مصالحها الخاصة والبعيدة عن الإجماع الإقليمي.

على الرغم من أني لا أرغب في الخوض في تفنيد ما يبثه الإعلام التحريضي القطري، إلا أن هناك سؤالين تحيرني الإجابة عنهما، السؤال الأول هو: إذا افترض أن هناك دولاً تتآمر على قطر، فما الذي يدفع هذه الدول للتآمر عليها، فقطر دولة صغيرة مساحةً ومحدودة الأهمية من الناحية الجغرافية، وفي نفس الوقت لطالما كان تأثيرها على الدول الأخرى محدودا على الصعيد السياسي، وذلك على مدار تاريخها القصير، وبالتالي فإن افتقاد قطر للقدرة على التأثير في المجتمع الدولي أو الإقليمي - لافتقادها تلك المقومات من الأساس - ينفي منطقية تآمر الدول ضدها وضد حكومتها وشعبها، فما الذي يدفع أي دولة بالفعل لمهاجمة قطر أو تدشين مؤامرة ضدها؟ لا بد إذن وأن تكون قطر قد فعلت ما يدفع الآخرين لتلك المؤامرة المفترضة.


السؤال الثاني: ماذا عن تآمر قطر نفسها على الدول العربية، فدورها في اليمن، وتحالفها مع إيران ضد مصر والسعودية وغيرهما من الدول العربية حقيقة جلية لا تحتاج حتى إلى إثبات، وهو ما يعني أن النفوذ المحدود لقطر مع الأطماع غير المحدودة لحكامها في لعب دور ملحوظ ومركزي في المنطقة، هو ما دفعهم للتفكير في حياكة المؤامرات ضد الدول الكبرى في المنطقة، معتقدة أن الهجوم عليهم سيرفع من شأنها ويجعلها نداً لهم، ومن الجلي أنها استخدمت إستراتيجية من عدة محاور لتحقيق هذا الأمر، لعل أهمها بالقطع استخدام آلة إعلامية عملاقة تتزيا بزي الموضوعية تبث من خلالها أفكارها ومراميها، ومنها أيضاً استضافة المعارضين من بعض الدول التي تسعى لهز استقرارها، وإعطائهم المأوى والأمان الكافيين لمهاجمة بلادهم من خلال منابرها.

البروباجندا المزيفة والفاشلة التي تهتم قطر بتطبيقها من خلال إصرارها على لعب دور الضحية البريئة، دفع الجميع للتفكير في ما تفعله قطر، بل كشف النقاب عن مؤامراتها وعدائها لجيرانها في المنطقة وأبرز ذلك على الملأ، فلو أن قطر لا تفعل ما يغضب الآخرين، فلم يغضبون منها؟ فهي ولو أنها تسعى للعب دور أكبر من حجمها من خلال مناطحة الكبار، فلم تستنكر وتستعطف وتستجدي؟ أم أن التباكي والاستعطاف لكسب التعاطف والتأييد فحسب؟ إذ إن النظام القطري يرغب دوماً في البقاء في دائرة الضوء ولو على حساب السلام مع جيرانه.

يدعي نظام الحمدين أن قناة الجزيرة منبر إعلامي حر، موضوعي ومحايد، لا يعبر عن رغبات الحكام بل ينقل نبض الشعوب للعالم أجمع، وهو ينقل دوماً وجهتي النظر المطروحتين، وليس لديه غاية سوى رفع وعي المواطنين بما يدور حولهم من أحداث، ولهذا فنحن نتوجه إلى هذا المنبر الإعلامي بأسئلتنا السابق ذكرها، ونطلب من القائمين عليه أن يجيبوا عنها، نطلب منهم أن يفسروا لنا أسباب غضب الدول الأخرى من قطر، كما نطلب منهم شرح دورها في تعكير صفو المنطقة وفي التحالف مع الأعداء، وفي النقض المستمر لكل ما تعهدت بالالتزام به، فهل يمكن أن نحصل منه على رد شافٍ؟ أم أن ما خفي منهم كان أعظم؟!