-A +A
علي بن محمد الرباعي
انطبع التصور الذهني عن الجامعة في مخيلتي مع بدء البث التلفزيوني في منطقة الباحة وتحديداً منتصف التسعينات الهجرية، أي منذ 40 عاما تقريباً، إذ كانت المسلسلات المصرية عقب النشرة الاخبارية الرئيسة محل اهتمام ومتابعة العائلة بأكملها.

افتتنتُ بفضاء الجامعات في مصر والدول العربية، وبما أن الحلقات تتناول المجتمع العربي بكل مكوناته، فقد كانت البيئة الأكاديمية أبرز ما يشدّ انتباهي بدءا من قاعات محاضرات لها قداسة، وشخصيات علمية لها هيبة، وحدائق سامقة الأشجار مسكونة بأعذب التغاريد، ومكتبات عملاقة تأسر اللب بطريقتها في العرض، ومقاه تتحول لمنتدى وجلسات حوار.


كم حدثتني نفسي عن الالتحاق بجامعة بلا أسوار ولا حواجز ولا قيود ولا تسلط ولا بلادة، وتطلّعتْ لإدراك يوم دراسي يجمع كل مظان الجمال النفسي والجسدي والمعرفي.

تخرجنا من الثانوية العامة منتصف الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، ولم يكن في منطقتنا أي كلية نكمل بها مسيرتنا، فلم نجد مناصاً من الرحيل لتحقيق الحلم، وهذا ما كان.

في الجامعة توفر بعض الفضاء الأكاديمي المألوف درامياً، إلا أن جنود الصحوة يحكمون السيطرة، والدهاقنة يوجهون عن بُعد، بالطبع لم نجد مدرجا للمحاضرات، ولم نوفق في فتح نقاشات مع الأساتذة خارج إطار القاعة التي هي فصل مثل فصول المدارس الثانوية، وأزعم أن المكتبة العامة لم تكن مقصداً وغاية إلا لقلة ممن تولع بحب خير جليس.

بدأ حلم المواطنين يتنامى بتأسيس جامعات تحد من الهجرة الجماعية من قراهم وهجرهم ومزارعهم، وليستقروا في منازلهم وبين أهلهم وذويهم. كانت النواة بإنشاء كليات معلمين تطورت لكليات تربية ثم كليات مجتمع، فانتظم عقد الهجرة العكسية، وعادت النسب السكانية إلى ما كانت بل توافدت الأعداد من كل المناطق.

بقدر ابتهاجنا بجامعاتنا بقدر حزننا على البيئة الأكاديمية لبعضها، فالمباني لم تكن مصممة لتكون فضاء معرفيا وتعليميا بل غرف منزلية جرى تكييفها بالجهود المتاحة، ولذا تجد الطلاب نافرين من المحاضرات والقاعات والاستيعاب.

سنوات مرّت حتى منّ الله علينا بجامعات تأسست ومدن جامعية قامت إلا أن البيئة الأكاديمية الجاذبة ما زالت حلماً من أحلام اليقظة العالقة بأذهاننا منذ زمن مسلسلات ما قبل الفضائيات، فأي جامعة عندنا اليوم يمكنها المباهاة بفضائها الأكاديمي بكل مقوماته اللازمة لمخرجات نوعية ونادرة؟