أصيل
أصيل
-A +A
أصيل الجعيد aaljaied@
الثقافة القانونية منظومة متكاملة تبدأ من المحاكمة العلنية، ثم احترام القانون الإجرائي، ثم القانون الموضوعي ذي الصلة بالجرم المرتكب، فكرة المحاكمات العلنية -مبدأ علانية الجلسات- فكرة حضارية بامتياز ولها آثار جدا إيجابية كنشر الثقافة القانونية وإشاعتها بين الناس، وهي ضمانة للمتهم في القضايا الجنائية فيصبح الناس والصحفيون والمختصون رقباء على القاضي نفسه، إذا كنا نعمل بالقانون في وضح النهار فلا حاجة لإخفاء المحاكمات، ما لم تكن هناك ضرورة ملحة تقتضي فيها مصلحة الأطراف السرية، تصميم قاعات المحاكم يقر هذا المبدأ، لكن تبقى المقاعد فارغة طوال الوقت! هذا المبدأ مستقر في أغلب نظم العالم، ولهذا المبدأ غاية مجتمعية سياسية تتمثل في إرواء شعور الناس بتحقيق العدالة ورؤيتها عن كثب، كما أن المحاكمة ليست شأنا خاصا بين المحكمة والمتهم، فكرة المحاكمات العلنية تنهي كذلك فكرة قديمة كانت تتمثل في المحاكمات الخفية والتي تعد من أشكال الاستبداد السياسي، كذلك يجب الموازنة بين مصالح الأطراف المتحاكمين وبين المصلحة العامة لئلا يبتذل القضاء، ويتستر خلف هذا المبدأ محامون يرغبون بالشهرة، فكما هو معروف قضايا الرأي العام، ونقل المحاكمات إلى الإعلام قد يغير من مجرى القضية إيجابا وسلبا، لذا فلابد من صياغة قواعد وإجراءات خاصة ببدء علانية الجلسات تكفل للجميع حقوقهم أيا كانوا.

إشكال منع تصوير المحاكمة يجعل ثقافة طلبة تخصص القانون والمختصين ضحلة، كيف نعرف تسبيب القاضي وكيفية إدارته للجلسة إذن؟ لماذا حتى يتم إخفاء اسم القاضي في مدونة الأحكام القضائية؟ متى ما كانت الأحكام المنشورة علنية بأسماء القضاة فسوف يحرص القضاة على تجويد أحكامهم، هيبة القاضي من هيبة القانون، والقاضي ضمن منظومة الدولة هو موظف في نهاية الأمر ووظيفته الفصل بين الخصومات بناء على النص القانوني، والأدلة المقدمة ولا يتعارض هذا مع الاستقلالية المطلوبة لأداء عمله، كذلك إحدى المشاكل المعاصرة أن القاضي يتبع فكرة أقرت من مبدأ نبوي بأن القاضي لا يحكم وهو جوعان غضبان، وهو مبدأ أخذ من حديث موضوع غير صحيح، جاء في الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي (16/‏‏ 33)


وقد روى عبدالله بن عبدالرحمن الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان.» وروى أبو عوانة عن عبدالملك بن عمير عن عبدالرحمن بن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقضي القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب محزون، ولا يقضي وهو جائع» هذه الأحاديث الموضوعة قد كذبت من الإمام أحمد بن حنبل والعديد من الباحثين الشرعيين، لا بد من توضيح ذلك من قبل مجمع الملك سلمان للحديث الشريف والذي أس غايته تنقية الثقافة العامة السعودية من أحاديث رسخت في الوجدان السعودي كحقائق لا تقبل الجدال رغم أنها موضوعة، لذا ليس لهذه الأحاديث الموضوعة علاقة بالانضباط بالدوام فحتى القاضي لا بد له من الانضباط ولا بد من إدارة التفتيش القضائي بوزارة العدل من المتابعة، وبين هذا وذاك لماذا لا يتاح لعامة الناس جميعا حضور المحاكمات، وإذا منعها القضاة كعرف ممارس، فلا بد من النص على ذلك من المشرع السعودي، نحن في زمن الحزم والعزم، ومملكتنا المستنيرة تسير بخطى ثابتة نحو التقدم المنشود، ولا بد لنا من إصلاح قضائي قانوني يتوازى مع خطط التقدم الاقتصادية.