-A +A
خالد صالح الفاضلي
يعتقد أحدنا بأنه كتلة واحدة، متماسك، متكامل، متناسق، مثالي، إلى أن يقف صدفة أمام مجموعة مرايا عاكسة مغروسة في عقل أو عيون أحدهم، تدله على ذاته الحقيقية (شظايا، مجموعة تناقضات) كبناء تم ترميمه عشرات المرات، كجلد حمار وحش يغلب سواده على بياضه، متلون، متناقض، متعدد السيئات، جسد أرمل بعد وفاة روحه.

يعتقد أحدنا بأنه كتلة واحدة، متماسك، متكامل، متناسق، مثالي، إلى أن يُصاب بفقد أمه، ابنه، أخيه، أو أبيه، فيكتشف أنه منهار منذ دهر، متهشم منذ أمد، لا توازن له، كقطعة خشب في نهر، يقذف بها إلى بحر، لا وزن له، وكل جهات الأرض غروب، ظلام يتداخل في ظلام.


يعتقد أحدنا بأنه كتلة واحدة، متماسك، متكامل، متناسق، مثالي، إلى أن يدخل مربع ما بعد الخمسين من عمره، يشعر بأنه حديث الولادة، فاقد القيادة لبقية الرحلة، ساعته تدق ببطء، يومه يمتد إلى ما بعد الملل، روح تتقلص بسرعة، رغبة حياة تنكمش أسرع، تواق للترحال، قليل مال، وتتجسد صورته ممداً في قبره على زجاج نظارته الطبية.

يعتقد أحدنا بأنه كتلة واحدة، متماسك، متكامل، متناسق، مثالي، إلى أن يفقد وظيفته فجأة، فيكتشف أنه خسر رهانه، ويكاد يخسر إيمانه، ضاع عمره، أفاق من صدمة، ويعدد أخطاءه المهنية، ويندب فرصه الوظيفية، كجالس على قبر حبيب، نحيب غارق في نحيب.

يعتقد أحدنا بأنه كتلة واحدة، متماسك، متكامل، متناسق، مثالي، إلى أن يتم طلاقه (من زواجه أو حبه)، فيجد الأرض أصغر مما كانت، خواء داخل خواء، الماء غبار، والزاد تراب، يهرب من طرقات كانت تجمعهما، فقير رغم ماله، يلاحق الأكسجين في الأزقة، في المقاهي، يلطم وجهه بيد الندم، يشعر بضآلة لأنه فقد نصفه الحلو.

نعتقد جميعاً بأننا كتلة واحدة، متماسكون، متكاملون، متناسقون، إلى أن كشفتنا – أمام أنفسنا – أدوات الانفصال الاجتماعي، ووجدنا بيننا أخشابا مُسندة، يأكلها النمل الأبيض، تحول بعضهم إلى جنود في جيوش أعدائنا، يحملون معاول هدم، يستريقون دم وطن، يلبسون أقنعة ماكرة، ونحن نصفق لهم، ونعلقهم نجوما في سماء الوعي، وقيادة الأجيال.

يعتقد أغلبنا بأنهم كتلة واحدة، متماسكون، متكاملون، متناسقون، إلى أن يكتشفوا خطرا يحيط ببلادهم، فيتماسكون أكثر، يتكاملون أكثر، يتناسقون أكثر، ويسعون إلى رماحههم وبنادقهم، يقتلون الفتنة، ينزعون الأقنعة عن الوجوه المتربصة بالمعتقد والوطن، يدقون طبول حربهم من أجل حماية وطنهم، وضمان توريث الأوطان للأجيال.

يعتقد الأعداء بأننا كتلة ممزقة، غير متماسكين، غير متكاملين، غير متناسقين، فيكتشفون في كل يوم أننا «أشهد أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله» راية، وسلمان قيادة، ومحمد بن سلمان رؤية، نضع أقدامنا مكان أقدام أجدادنا، على أعناق أعدائنا، تمتلئ حناجرنا بأغاني النصر، وصدورنا بيقين المنتصر، ولا تنحني هاماتنا مهما نالت خناجر الغدر من ظهورنا.

يعتقد الأعداء بأننا كتلة ممزقة، غير متماسكين، غير متكاملين، غير متناسقين، ونحن لهم الهازمون حتى في أحلام سباتهم، المعتلون على هاماتهم، ندوس عليهم كما ندوس على الظل، فكلهم زائلون قبل أن تغرب شمس فتنتهم، قبل أن يأتي ليل تربصهم، فكلهم ظل لا وجود له إلا بوجود شمسنا.