-A +A
سعيد السريحي
مساء يوم الجمعة الماضية كان مساء استثنائيا، جمعت الطائف بين زملاء جمعتهم الدراسة ثم فرقهم العمل، فلم يلتقِ أكثرهم بأكثرهم منذ ٤٣ عاما، ولم تستطع السنوات الأربع التي قضوها تحت سقف فصل دراسي واحد أن تقاوم آثار الثلاثة والأربعين عاما فاضطروا إلى أن يعرفوا بعضهم ببعض، كلما عرف أحدهم الآخر تعجب من علامات السن التي تلوح على وجهه وأدرك أن وجهه يحمل علامات مثلها حتى وإن جهل ذلك أو تجاهله.

حديث الذكريات، الذي استغرقوا فيه، أعاد حبل الوصل بينهم، شعروا أنهم لم يعودوا لبعضهم فحسب وإنما استعادوا صباهم كذلك، والذين حاولوا أن يظهروا بمظهر تحفظ الشيوخ في بدء اللقاء لم يلبثوا أن استعادوا بساطة أيام الصبا، فكانوا أكثر الحاضرين حضورا وعذوبة في استعادة تلك المرحلة التي جمعهم فيها قسم اللغة العربية بكلية الشريعة بمكة المكرمة، استعادوا أسماء زملائهم الذين حالت ظروفهم دون اللقاء، واستعادوا أسماء زملاء آخرين سبقوهم إلى الدار الآخرة، وتساءلوا عمن بقي من أساتذتهم على قيد الحياة، وسألوا الله الرحمة لمن مات منهم.


تباهوا، وحق لهم أن يتباهوا حين تذكروا أن ١٤ طالبا من تلك الدفعة تخرجوا بمرتبة الشرف الأولى، وأن تسعة منهم تخرجوا بتقدير ممتاز، وأن ثمانية واصلوا تعليمهم حتى حصلوا على شهادة الدكتوراه، استعادوا قصائدهم التي كانوا يكتبونها كلما اشتدت عليهم وطأة المعاناة والفقر، وكلما ارتاحوا إلى ما يحققونه من نجاح، تذكروا باعتزاز ما كان يصف به بعض أساتذتهم دفعتهم من أنها «الدفعة الذهبية»، وتعاهدوا على أن يدونوا ذكريات تلك المرحلة احتفاء منهم بأنفسهم وبأساتذتهم لكي تكون شهادة على مرحلة من التعليم ومرحلة من العمر يتركونها لأجيال لا تكاد تعرف عن تلك المرحلة، بعد ما يقارب نصف قرن على انقضائها، شيئا.