-A +A
إدريس الدريس
تؤرقني دائماً مسألة حضورنا الرسمي والشعبي خارج المملكة، والتي تقصر فعلياً عن المستوى المأمول والمنطقي للتعريف بحقيقتنا وواقعنا، وأمام هذا الفراغ نجح «المناوئون» لهذه البلاد خلال عقود طويلة في ممارسة تشويه سمعتنا ورسمها بغير ما هي عليه.

وكنت ومازلت أرى أننا نفتقد لوجود إستراتيجية واضحة المقاصد والأهداف لإعلامنا الخارجي، وأننا لا نملك الآلية المجدية للتواصل الدولي، وذلك بدوره أسهم في ترك الساحة مفتوحة لتلقي ما يلفظه الإعلام المناوئ والمضاد من افتراءات تكرس سوء الفهم أو الغبش الذي يطال صورتنا وصوتنا في الخارج.


ومعلوم أن الإعلام والتواصل هو الشريان الذي يضخ الحقيقة ويردع ما سواها، لكن هذا الشريان عندنا كان وما زال يعاني من الانسداد بما يقتضي إجراء عملية قسطرة، لعلها تسمح بتدفق الحقيقة والوصول إلى الآخر وردع التكاذب الذي تمارسه الأقلام والأصوات المأجورة التي تم شراؤها من أعداء المملكة على امتداد تاريخها، وللإحاطة فهؤلاء الأعداء متحولون ومتغيرون بحسب تقلبات المزاج السياسي، وهذا ماثل للعيان فيما يصدر عن العديد من المطبوعات والصحف والقنوات التلفزيونية في أوروبا وأمريكا، لهذا فإن علينا أن نتغير من خلال التواصل مع النخب والفعاليات التي تملك قاعدتها الشعبية العريضة، وذلك من خلال الذهاب لهم في البرلمانات والجامعات وكذلك توجيه الدعوات لهم لزيارة جامعاتنا والمؤسسات المدنية كذلك، وكما أن للمناوئين حشداً مستأجراً أو مشترى من أقلام وأصوات المأجورين الذين يبيعون أقلامهم وأصواتهم في سوق النخاسة فإن ذلك يدعونا لتربية وتجهيز واستئجار بعض الأصوات المعروضة في سوق الردح الإعلامي، أو تحييدهم على الأقل، فلا يجب والحال كذلك أن نتكل فقط على نزاهة مواقفنا، لأن الإعلام المستأجر له دوره في قلب الحقائق، وقد كنا فيما مضى ننأى عن التدخل أو الرد على ما يصدر ضدنا، ربما كنا نعاني من الشعور بعدم الجدوى من التواصل، أو ربما كنا نسلم هذه المهمة الهامة لغير الجديرين بها ولمن لا يحسنون إقامة جسور التواصل، كما يتماهى مع ذلك عجز تواصلي واضح في أدوار السفارات والقنصليات والممثليات السعودية في الخارج.

إن مرحلتنا الحالية وما يطالها من تغيرات وتحولات إيجابية تقتضي أن نداوي عجز «الشريان» الرئيسي الذي يربطنا بالعالم، والذي يفترض تقديمنا كما نحب، وعلينا أن نبادر بالفعل حتى لا نقف في طابور «التكذيب» والنفي لما يصدر أو يبث عن بلادنا من تدليس مستمر.

ومازال الأمير محمد بن سلمان يسد هذا العجز من خلال الأحاديث التي يطلقها عبر عدد من أبرز الصحف والقنوات الدولية.

ويليه في ذلك الأدوار التي يقوم بها وزيرنا الخارجي عادل الجبير، إلا أن القضية أعرض وأكبر، ما يستدعي الحاجة إلى جهاز عريض وممتد ومتداخل في أروقة القرار والإعلام الدولي ومن خلال التواصل مع المنظمات الحقوقية والإنسانية في حواضر وعواصم الدول الكبرى.