-A +A
علي بن محمد الرباعي
لو سأل سائل عن سبب افتراق الأمة إلى 73 فرقة كما جاء في الأثر، فلن يكون الجواب سوى الخطاب. والخطاب كما يرى المفكر الفرنسي (ميشيل فوكو) سواء كان ضمن فلسفة الذات أو المؤسسة، أو تجربة المجتمع، ليس إلا لعبة، لعبة كتابة، ولعبة قراءة، ولعبة تبادل.

جرّمت الدولة منذ أعوام التصنيف، نظراً لما يترتب عليه من مفاسد محاكمة عقائد الناس، والتفتيش عما في ضمائرهم. وتفوقت المحاكم على نفسها، وجددت ثقة النخبة بها، وهي تحاكم من ينعت الآخرين بأوصاف فكرية على شاكلة (علماني، ليبرالي).


هذه التصنيفات يمكن أن يتفهمها النخبة حين تصدر من جاهل، أو قليل علم، أو متحمس أكثر مما يجب، لكن عندما ترد في خطاب وزير شؤون إسلامية وفي مناسبة ثقافية على منبر اعتدال، تعقد الدهشة الألسن، وتثور أسئلة عدة!.

يعلم الوزير أن هذه المصطلحات ليس من منحوتاته، ولا منحوتات العرب ولا المسلمين، وبما أنها وافدة أو مستجلبة، فقد وظفها الخطاب الصحوي لتشويه خصومه، ولا أعلم مبرراً لاستعادتها كون التصنيف الفكري والعقدي ضد حركة التاريخ.

المصطلح يتحول إلى سلاح، والعاطفة، والرغبة في التشفي، تدفع لاستعماله في غير ما وضع له، ولن ينسى الوزير أن من القواعد المقررة عند الأصوليين أن شرع من قبلنا شرع لنا. ما لم ينسخ بالطبع.

الليبرالية مشتقة من الحرية، والحرية قيمة عليا في الإسلام، والعلمانية تجربة حكم متطورة ومستمدة من علم وقوانين وتجارب شعوب، وبما أنه لا ليبرالية ظاهرة في المملكة، ولا علمانية معلنة، فما سبب استدعائهما في محاضرة معتدلة.

حتماً معالي الوزير لا يريد إعادة إشعال فتيل التصنيف، كونه يدرك أن الإشكالية المعقدة في تلقي شبان في مقتبل العمر لخطاب وزير عن الخطاب الديني، إضافة إلى ما يترتب عليه من آثار تصل إلى العدوانية، خصوصاً أنه وزير محسوب على التكنوقراط.

أربأ بمعاليه أن يقع في مزلق التصنيف، فنحن في هذا التوقيت نخوض غمار تحولات لن يكون لغير الاقتصاد فيها قول فصل، والوزير محل احترام وتوقير، إلا أنه ليس بحاجة إلى وهج وأضواء في ميدان هجره أهله منذ سنوات.

تقاربت مشاعرنا، ونحن نعلي راية دولة المواطنة، فلماذا النكوص بالخطاب؟ لستُ أدري.