-A +A
طارق فدعق
خلال الأربعين سنة الماضية ظهرت طائرات تجارية كثيرة بأشكال، وأحجام، ومواصفات مختلفة ولكن معظمها لم تقدم الجديد الجدير بالذكر... لم تأتِ طائرة بعد الكونكورد لتتغلب على سرعتها التي كانت تبلغ حوالى ضعفي سرعة الصوت... ولم تأتِ طائرة لتتغلب على البوينج 707 لتفتح باب السفر النفاث السريع الآمن للمسافات الطويلة... ولم تأتِ طائرة لتتغلب على البوينج 747 الجامبو العملاقة التي غيرت اقتصاديات النقل الجوي، وجعلت تكاليف السفر في متناول الجميع. ولكن اليوم بدأت تتضح لنا كركاب مميزات بعض الخصائص الجديدة لطائرة البوينج 787 التي شغلتها الخطوط السعودية حديثا، وإليكم بعضها: أولا جميع الطائرات تحتاج لأن تكيف الضغط بداخل مقصورة الركاب لتسمح لنا بالتنفس الطبيعي. وخلال الستين سنة الماضية كان الضغط المكيف بداخل المقصورة أثناء التحليق يعادل تقريبا مستوى ارتفاع حوالى ثمانية آلاف قدم. وهناك مضخات تعمل خلال الرحلة لضغط الهواء... بدونها لن نتنفس إلا بأقنعة أوكسجين... وحيث إن 787 تتميز بجسمها المصنوع من توليفة من المعادن والمواد الكربونية، وحيث إن تلك التوليفة بمشيئة الله تسمح بقوة أكبر، فمستوى الضغط أعلى بداخل مقصورة الـ787 يجعل مستواها يعادل تقريبا ارتفاع ستة آلاف قدم مما يسمح بسهولة أكبر في التنفس وراحة أكبر خلال ساعات السفر. والتوليفة بين المعادن والكربون في بدن الطائرة تقاوم التآكل، وبالتالي تسمح بنسبة أكبر من الرطوبة في جو المقصورة. وبلطف الله يؤدي هذا إلى المزيد من القدرات على تذوق الطعام والشراب. وفضلا لاحظ منظومة بكاء «البزورة» المفرط أثناء الإقلاع والهبوط الذي نسمعه في العديد من الرحلات، وسببه في الغالب صعوبة تكيف أجسام صغارنا مع التغيرات في الضغط، ولذا فبمشيئة الله سنلحظ انخفاضاً في بكائهم على متن هذه الطائرة. وموضوع النوافذ في الطائرات أيضا في غاية الأهمية، فكلما كبرت «الطيّق»، كلما زاد إدراك الركاب بالبيئة الخارجية، وتقلصت مخاطر الشعور بدوار السفر بسبب حركات الطائرات على العديد من المحاور التي لم نعتد عليها، حتى وإن كانت بسيطة. ونوافذ البوينج 787 أكبر من الطائرات الحالية، فهي تزيد على مساحة النوافذ الأخرى بحوالى أربعين في المائة.

وهناك المزيد... فقيادة هذه الطائرة قمة في الروعة. وقد حصلت على دعوة كريمة من الخطوط لتجربة قيادة البوينج 787 في جهاز محاكاة الطيران في أكاديمية الأمير سلطان للتدريب في جدة. جدير بالذكر أن الأكاديمية تحتوى على أحدث أجهزة المحاكاة Simulators في العالم. وبالرغم من أنني أحمل رخصة طيران، فلست مؤهلا لقيادة طائرة تجارية ضخمة متقدمة مثل البوينج 787. ولكن كانت المفاجأة أنني وجدت قيادتها سهلة، ومنطقية، بل ممتعة جداً. كانت قوية جداً، وراسية على الأرض وفي السماء. وكانت عاشقة للتسارع والصعود إلى الأجواء العليا بسرعة عجيبة. وذكرتني بالصديق الذي يصدقك ولا يصدّقك في أنها كانت تعترض على أخطائي بأدب، وذكاء، وحكمة... وبدون توبيخ ودراما. وعلى سبيل المثال فلو أردت الالتفاف بزاوية ميلان أكثر مما تسمح قواعد السلامة، كانت تسمح لي بأقصى درجة ممكنة ثم تعترض برفق... ولو طلبت الصعود بمعدلات تفوق المسموح، كانت تخفف من الزاوية المطلوبة للتأكد من توفر السلامة. وعندما طرتها بمحرك واحد، كانت متزنة، وحليمة، ومتعاونة. جدير بالذكر أن معظم الطائرات تفقد أخلاقها الحميدة في الجو وعند الإقلاع إذا فقدت أحد محركاتها. وبعض منها تصبح غدارة، وعصبية، وعنيدة، و«مخنزرة».


أمنيـــــة

بقى أن أذكر ميزة أخيرة مهمة لهذه الطائرة وهي شعارها. جميع الطائرات التجارية لها اسمها أو رقمها الذي يميزها. ولكن هذه الطائرة لها رقمها المميز 787 واسمها المميز أيضا وهو «خطوط الأحلام» أي «دريم لاينر»Dream Liner. وتتمتع أيضا بشعار الهلال c وهي من الطائرات الفريدة في هذا الشأن. والهلال له معنى مهم فهو من التصاميم التي رمزت وترمز للإسلام عبر التاريخ. أتمنى أن توفق الخطوط في تشغيل هذه الطائرة المتميزة، وأن تكون وكل ما يحمل علم هذا الوطن هي الأسلم والأفضل في السماء وعلى الأرض بتوفيق الله

وهو من وراء القصد.