-A +A
هاني الظاهري
المقالة التي كتبها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ونشرتها التايمز الأربعاء الماضي عن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحمل برأيي إشارات سياسية مهمة بعيداً عن كونها كما افترض كثير من المحللين مقالة ترحيب ومديح.

يدرك جونسون اليوم مدى الثقل السياسي السعودي في المنطقة والعالم، ويعرف أن برود علاقات بعض دول أوروبا مع الرياض بعد أحداث الخريف العربي خطأ إستراتيجي كبير لا يمكن المضي فيه قدماً، ولذلك يعمل منذ توليه منصبه بشكل واضح على تعميق علاقات بلاده مع السعودية وتقديمها في خطابه الداخلي كأهم حليف إستراتيجي لا يمكن خسارته أو مجرد التفكير في محاولة ممارسة الضغوط عليه؛ وذلك لعظم المصالح المشتركة بين البلدين ولأن المزاج الأوروبي السياسي لم يعد منذ أكثر من 3 سنوات يتطابق مع المزاج السياسي البريطاني الذي تعب من تخبطات الأوروبيين تجاه قضايا الشرق الأوسط وخصوصاً فيما يتعلق بالشأن الإيراني ودعم الفوضى والثورات التدميرية باسم تصدير الديموقراطية.


منتصف عام 2016 كتبتُ مقالة بعنوان «صحوة الأسد البريطاني» - نشرتها «عكاظ» في مكان هذه المقالة نفسه- أشرت فيها إلى بدء وضوح خطوط التمايز ــ آنذاك ــ بين سياسة الاتحاد الأوروبي والسياسة البريطانية، وهو ما انتهى إلى خروج بريطانيا من الحظيرة الأوروبية حاملة أجندة سياسية جديدة تأمل أن تعيدها إلى مكانتها العالمية كدولة عظمى لا مجرد عضو في اتحاد يحد من طموحها ويتسبب لها بكثير من المشكلات الداخلية، حينها وصف بعض المحللين السياسيين خروج بريطانيا من الاتحاد بـ«الصحوة»، لكن الوصف الأكثر دلالة وإثارة وتجسيداً للاعتزاز البريطاني أطلقته قناة روسية على الحدث وهو: «الأسد البريطاني يزأر في الحظيرة الأوروبية».

اليوم تحاول لندن إعادة بناء سياساتها الخارجية المستقلة، واستعادة تحالفاتها الخاصة بشكل أكثر قوة ومتانة؛ ولذلك فإن مقالة وزير خارجيتها تأتي في هذا السياق، وهي موجهة في الأساس إلى الشارع البريطاني، فالحكومة هناك تواجه تحدياً داخلياً للتخلص من تبعات البريكست الاقتصادية، وعليها مخاطبة شعبها بشكل شفاف مع وضع كل الحقائق على الطاولة، خصوصاً أن فئة كبيرة من البريطانيين تعاني من الهوس بالشعارات، وتجهل مدى أهمية العلاقات البريطانية السعودية للندن، كما تجهل حجم المصالح المشتركة بين البلدين.

تطرق جونسون في مقالته بعد الإشادة بالإصلاحات الداخلية السعودية إلى أهم ما يلامس حياة البريطانيين الآن، والدافع الأكبر لتصويتهم لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وهو «الشأن الأمني»، عبر إشارته إلى دور الاستخبارات السعودية في إنقاذ حياة مئات البريطانيين من الجرائم الإرهابية، وهو أمر سبق أن أشارت له رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي قبل زيارتها الأخيرة للسعودية حين أطلقت عبارتها الشهيرة «علينا ألا ننسى أبداً أن المعلومات التي تلقيناها من السعودية في الماضي قد أنقذت حياة مئات الناس في المملكة المتحدة».

سوف تضع زيارة سمو ولي العهد لبريطانيا بعد أيام أساساً جديداً أكثر صلابة للعلاقات بين البلدين، وتسهم في توحيد موقفيهما تجاه قضايا المنطقة، وهو ما يدعوني كمتابع سعودي للشأن السياسي إلى إرسال بطاقة تحية لأصدقائي البريطانيين مكتوب عليها: «عوداً حميداً يا أصدقاءنا القدماء».