-A +A
عبدالله صادق دحلان
إذا كانت البنوك السعودية حريصة على حقوق المساهمين فيها والمتعاملين معها، وتحرص على بذل كل الجهود وبكل الوسائل وبقوة النظام ودعم وتنفيذ أجهزة الدولة الأمنية في استرجاع حقوقها من المعسرين والمتأخرين في دفع القروض الممنوحة لهم أو دفع عمولات القروض، وتلجأ أحيانا إلى القضاء وتحصل على أحكام بالدفع أو سجن المتعسرين، وترفض أحيانا التسويات والجدولة لبعض المقترضين المتعسرين، وتعلن صراحة من خلال أجهزتها الإعلامية بأنها بهذا الإجراء تحمي حقوق المساهمين وهي مؤتمنة على حقوق المساهمين والمودعين لديها.

وفي المقابل نعلم جميعا أن الدولة (ممثلة في الأجهزة المعنية) هي المسؤولة والمؤتمنة على تطبيق الأنظمة والقوانين التي تضمن حقوق مواطنيها، مثل مسؤولية الهيئة العامة للزكاة والدخل تجاه فقراء الدولة، ومؤتمنة على تحصيل الزكاة السنوية ومقدارها 2.5% من كل شركة سواء كانت بنكا أو مصنعا أو شركة خدمات أو تجارة وغيرها وكذلك من جميع المؤسسات، وهذا ما قررته الهيئة العامة للزكاة والدخل بتحصيل حقوق الزكاة كاملة من البنوك والتي تراكمت بقية الاستحقاقات منذ عام (2002م) وهي مطالبة قديمة لمدفوعات زكاة كانت ترفض البنوك دفعها آنذاك وتبرر الرفض ببعض من الأسباب والحجج التي ترفضها الهيئة، ويبدو أن الخلاف هو على فرض الزكاة على بعض استثمارات البنوك طويلة الأجل والوديعة النظامية والإيجار التمويلي والتي كانت معفاة من الزكاة في السابق ومع تغيير نظام وطريقة احتساب الزكاة أصبحت هذه الاستثمارات مشمولة بالزكاة.


ويتوقع أن يصل إجمالي المبالغ من أموال الزكاة المحصلة من البنوك عن الجزء الذي تعترض عليه البنوك أكثر من اثني عشر مليار ريال، وهو مبلغ عن السنوات الماضية ويمثل دخلا إضافيا لهيئة الزكاة والدخل والتي توجه معظم هذه المبالغ المحصلة إلى دعم ميزانية الضمان الاجتماعي والذي يتولى مسؤولية رعاية الفقراء من أبناء الوطن برواتب شهرية في جميع المناطق والمدن، ولضمان استمرار الصرف على هذه الطبقة يتطلب الأمر ضمان ميزانية سنوية تغطى من إيرادات الزكاة وهبات الدولة، وهذا هو الأصل في فرض الزكاة كما نص عليها الشرع، والحقيقة أشعر بخيبة أمل في قرار البنوك السعودية في التظلم لمنع تطبيق قرار هيئة الزكاة والدخل وهي تعلم أن هذه الأموال ستذهب لدعم ميزانية الضمان الاجتماعي لرعاية الفقراء وهي مسؤولية الدولة، وأجزم أن الدولة ممثلة في هيئة الزكاة والدخل لن تتنازل عن حقها، ويكفي أن الدولة تنازلت سنوات طويلة عن حقها في فرض ضريبة على أرباح البنوك وهو حق لها، ولا سيما أن البنوك السعودية هي من أعلى البنوك في العالم تحقيقا للأرباح والوحيدة في العالم التي لا تدفع ضرائب للدولة.

وقد طالبت في مقالات سابقة بضرورة استقطاع نسبة من أرباح البنوك توجه لبرامج المسؤولية الاجتماعية، وقد فعلت بعض البنوك ولكن باجتهادات مديريها وبنسب جدا بسيطة تتمثل في رعايات لمناسبات في المجتمع.

ورغم أن المكنة الإعلامية للبنوك السعودية محليا ودوليا بدأت تعمل وبقوة محذرة حكومة المملكة بأن تحصيل الزكاة المتبقية على الودائع طويلة الأجل سوف يضعف من قوة وملاءة البنوك وسوف يهبط بأسعار أسهمها، وهو ادعاء لا صحة له وهي حملة لتأليب البنوك وعملائها والمساهمين حملة الأسهم على قرار الدولة، وهم قلة مقارنة بمئات الآلاف المستفيدين من أموال الزكاة ممثلة في الضمان الاجتماعي.

وهنا يبرز أهمية النظر إلى تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة للبنوك والمساهمين فيها، وعلى الإعلاميين والاقتصاديين منهم مقارنة ما تدفعه البنوك العالمية لدولها من ضرائب دخل وأرباح وبرامج مسؤولية اجتماعية مع ما تدفعه البنوك السعودية، ومن منطلق إسلامي تكافلي إنساني فرضت الزكاة، ومن هذا المنطلق أطالب البنوك والمكنة الإعلامية خلفها أن يعيدوا النظر في دفاعهم ومرافعتهم وتظلمهم ولا أعتقد أن هناك محكمة عادلة سوف تتجاهل حق الفقراء من الزكاة وتدعم حق الأغنياء في الامتناع عن دفع كامل العبء الزكوي.

وإذا كان هناك تخوف على انخفاض أرباح البنوك فجأة وأثره على سعر أسهمها فقد تكون التسوية مع هيئة الزكاة والدخل هي التقسيط على سنوات بدون عمولات، وليس مثل تقسيط البنوك على عملائها.

علما بأن للدولة الحق في فرض ضريبة أرباح أو ضريبة دخل أو أي ضريبة أخرى، وللإحاطة في أن الدولة شريكة في معظم البنوك السعودية بطريقة مباشرة أو أخرى وهي تملك أكبر حصة في أكبر بنك سعودي، وبالتالي فإن القرار سيكون مطبقا على حصصها أيضا، وهي موافقة على قرار هيئة الزكاة والدخل.

ويمكن للبنوك تغطية هذه المبالغ من عوائد الودائع الضخمة التي لا تدفع لأصحابها أرباحا.

* كاتب اقتصادي سعودي