-A +A
محمد آل سلطان
كانت مفاجأة رائعة تلك التي نفذها مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي السعودي بدعوة الأمير بندر بن سلطان لإطلاعه على العمل الدؤوب المقدم في المركز، ولإلقاء محاضرة وتقديم عدد من الإيجازات من واقع خبرته وتمرسه السياسي، كونه أحد أبرز الوجوه السياسية التي شكلت طوال عقود برفقة الأمير الراحل سعود الفيصل العلامة الأكثر توهجاً في عبقرية وعراقة السياسة السعودية بقوتيها الناعمة والخشنة.. لقد كانت لحظة للتاريخ يثبت فيها السعوديون أن الماضي موصول بالمستقبل، وأن هذه الدولة لديها من العراقة والتاريخ والخبرات المتراكمة ما يجعل سياستها موصولة عبر الزمان والعهود بعرى حكمة الشيوخ وحيوية الشباب، وعندما يسجل الأمير بندر بن سلطان أسطورة السياسة السعودية إعجابه بالدماء الشابة التي ضختها القيادة السعودية في مفاصل الدولة واطمئنانه على مستقبل البلاد فإنها شهادة تسجل للحظة الراهنة أن السعودية كانت وما زالت وستبقى بفضل مواردها البشرية أولاً مصدر فخر واطمئنان لشعبها وأصدقائها وللخيرين في العالم.

وشهادة الأمير هي خير رد على غبن أعداء السعودية وحتى شفقة بعض محبيها أن الحراك السعودي على كل الأصعدة وأخص هنا الشأن السياسي والتفاعل الاستباقي للدبلوماسية السعودية مع الأحداث من حولها يتم بطريقة قد تشكل انقلاباً على المألوف من تلك السياسة العريقة، والحقيقة أن مبادئ السياسة السعودية ووعيها بمجالها الجيوإستراتيجي ثابت لم يتحول منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة، فإذا كان كذلك فما الذي تغير؟ وجعل أعداءها يتميزون غيظاً، ومحبيها ينظرون بإعجاب مشوب بالقلق عليها.


وفي رأيي أن الذي تغير هو الأخذ بزمام المبادرة حساً وفعلاً، والاقتراب أكثر من المتغيرات والتفاعل معها، الأمر الذي جعل غير المراقبين والعارفين بالشأن السعودي يندهشون أحياناً من التسارع السعودي في الانخراط في قلب العواصف السياسية التي تحيط بالمنطقة.. نعم إنها المبادرة الخلاقة، إضافة لتلك المزاوجة الرائعة التي صنعتها القيادة السعودية ما بين حكمة الشيوخ وخبرتهم وحيوية الشباب، والمتمثلة بداية في رأس الهرم السعودي بقيادة الملك سلمان حفظه الله القائد الخبير طوال ما يقارب الخمسين عاماً، والعارف بكل تفاصيل الشأن السياسي داخلياً وخارجياً، وفي سمو ولي العهد الأمير الهمام محمد بن سلمان الذي حقن مفاصل الدولة بالدماء الشابة التي تتفطر علماً وهمة وحيوية، وهذه صيرورة تاريخية للدول التي تريد أن تحتفظ بقوتها واستدامة تنميتها على كل الأصعدة أن تسارع في ضخ الدماء الشابة قبل أن تهرم وتصل لمرحلة الكمون والخمول، الفرق هنا أن السعودية وهي تجدد شبابها تبدو في كامل حيويتها وتوقدها لاستيعاب العناصر الشابة، وأيضاً هي لم ولن تستغني عن إرثها العريق والخبرات المتراكمة التي تكونت عند رجال دولتها طوال عقود، فهي ليست دولة طارئة على السياسة والتنمية وكأنها ظهرت على السطح كفقاعة لا تلبث إلا وتضمحل، بل هي دولة منذ نشأتها كانت الحدث الأكثر والأقوى تأثيراً في المجال الجيوإستراتيجي من حولها.. ولذلك نشيد بمبادرة مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي، وندعوه للاستفادة القصوى وتكرار مثل هذه الدعوات للخبرات الرائعة التي تتمتع بها السعودية في كافة المجالات.. وكما قال الشاعر معروف الرصافي:

وهدى التجارب في الشيوخ وإنما

أمل البلاد يكون في شبانها