-A +A
علي بن محمد الرباعي
نشأ يعشق العصافير، ويتغنى بألوانها، ويتتبعها في الأودية ليسمع ترتيل معزوفاتها. ترتبت ذائقته على خرير مياه الأودية، وسكنت ذاكرته رائحة الحبق.

منذ بلغ السابعة وهو يسمع أمه تقول لزوجة عمه، سعيدة لسعيد، فكانت سعيدة تتعامل معه كزوج منذ تلك اللحظات البريئة. تتسلل إلى حجرة أمها، وتفتح السحارية، وتهبش من كيس الحمبص ملء قبضتها وتمد به لسعيد من فتحة جدار مشترك بين المنزلين.


لم يكن يعتني بمظهره، ويردد على مسامع زملائه بأن شكله يقطع الخميرة من البيت، وكلما نظر في المرآة ردد «يا الله لك الحمد»، انفتح على الحياة وهو طالب في معهد المعلمين الثانوي، اشترى له أبوه سيارة هايلوكس، سمع من أستاذه القادم من شمال المنطقة عن التلفزيون، ومسلسل وضحى وابن عجلان، فضبط توقيته، وكان يسافر بعد ظهر الخميس، ويسهر مع رفقته على المسلسل في أول مقهى للمدينة ويتعشون ويعودون.

اختار مدينة بعيدة ليعمل بها معلماً، في المدرسة تعرّف على وافد عربي. بدأ يعيره المجلات الشهيرة، وأعجبه ركن المراسلات، وتعلّق قلبه بإحداهن، وبدأ يبعث أشواقه الحارة، وإعجابه بها، واستمرت الرسائل إلى أن طلبت منه صورة.

قضى ليلة بطولها دون نوم، وهو يقول: والله لو بعثت لها هذا الوجه ما عاد تراسلني. في الصباح انفرد بالمعلم الوافد، وطلب فزعته. شرح له حكاية غرامه، وأنه بحاجة إلى صورة له بالبدلة، فقال الوافد: حاضر. أخذه إلى المصوراتي، والتقط له صورة وهو يحمل باقة ورد، والشعر الأشقر مسرّح على الشمال، والشارب الكث يغطي الشفة العليا.

بعث بالصورة، فهام قلب الفتاة بسعيد، وصارحته بحبها، وغدا اسم فاتن على لسانه صباح مساء، حتى طلبت منه أن يسافر إليها ليطلب يدها من أهلها. رحب بالفكرة، وما كادت العطلة تبدأ حتى كان في بلدها.

اتصل من الفندق، وأبلغها أنه وصل، فجاءت مع شقيقها للترحيب به، واصطحابه لمنزل العيلة، دخلت بهو الفندق، تلفتت يميناً ويساراً ولم تر فارس الأحلام، نط من الركن ليعرّف بنفسه، فخلعت الكعب العالي ووين اللي ما يعورك، عجرمت رأسه، وندّمت وجهه.

عاد للوطن متلثماً منكسر القلب، وكلما فاتحته أمه في سعيدة، يقول: ما أبغي إلا فاتن، قالت الأم: «يا الله لا تفتنا، يا ولد أنت عقلك ترللي». علمي وسلامتكم.