-A +A
محمد أحمد الحساني
ترتبط آلاف العقارات الواقعة في مكة المكرمة من أبراج وعمارات وفنادق ومحلات تجارية بمواسم الحج والعمرة، وقد صُرِفَ على بنائها من قبل أصحابها أو المستثمرين عشرات المليارات، لأن الفندق أو البرج الواحد أو العمارة ذات الطوابق المتعددة قد تكون تكاليفها أرضاً وبناء بعشرات الملايين. وكان الملاك المستثمرون يواجهون عنتاً شديداً في سبيل الحصول على حقوقهم من تأجير ما تحت أيديهم من عقارات صالحة لسكن الحجاج والمعتمرين، بل إن الموسم تلو الموسم قد ينتهي دون أن يحصلوا على حقوقهم، وربما اضطر الواحد منهم بعد جهد جهيد إلى التنازل عما له من حقوق لدى المستأجر مقابل أن يتسلم عقاره ليؤجره على غيره، فيُفاجأ المالك بأن على البرج أو العمارة أو الفندق فواتير بمئات الآلاف للكهرباء والمياه والصرف الصحي يتوجب عليه دفعها، أو لا يمكنه الحصول على تصريح جديد للإسكان أو تقطع عنه جميع الخدمات. وقد أدى ضياع حقوقهم إلى التفكير بوسيلة لحفظها فأصبحوا يطلبون من المستأجر عدة شيكات للدفعات المتفق عليها حسب العقد بتواريخ مؤجلة. فإذا كان بداية عقد الإيجار في شهر المحرم وكانت هناك دفعة في الشهر الرابع من العام الهجري ودفعة في الشهر التاسع وأخيرة بنهاية شهر الحج فإن المستأجر يقدم شيكات مؤرخة بهذه التواريخ، فإذا حل موعد كل شيك منها قدمه في حينه للحصول على الدفعة، فإن لم يكن له رصيد وحصل على ورقة اعتراض قدم الشيك والاعتراض إلى الجهة المختصة بتطبيق النظام بحق الساحب. وكان معظم المستأجرين يوفون بتلك الشيكات في أوانها لخشيتهم من العقوبات المنصوص عليها في النظام الصادر بمرسوم ملكي كريم ولكن هناك تعليمات منعت التعامل بالشيكات المؤجلة، لأنها تعتبر أن أي شيك يستحق الصرف بمجرد تسليمه للمستحق حتى لو كان بتاريخ مؤجل، بل إن النظام يعاقب المستحق لو قَبِلَ شيكاً مؤجلاً، مما أدى إلى الامتناع عن استخدام هذه الوسيلة لحفظ حقوق الملاك والمستثمرين. فإذا لم يفِ المستأجر بحقوق الملاك لم يكن أمامهم سوى اللجوء إلى المحاكم من أجل الحصول عليها. وهذه المسألة تطول وتطول وقد ينتهي الموسم ويدخل آخر والمستأجر في العقار يؤجره ويتسلم دخله واضعاً رجلاً على رجل فيما تحفى أقدام الملاك في مطاردتهم لحقوقهم الضائعة وحتى لو قيل إن العقود الجديدة تجعل من حق المستحق التوجه بها في حالة عدم الالتزام بما جاء فيها إلى محكمة التنفيذ، فإن واقع الحال في محاكم التنفيذ عموماً أنها أثقلت كاهلها بقضايا الحقوق القادمة إليها من المحاكم العامة والجزائية حتى أصبحت محطة ثالثة للمماطلة، حيث يواجه العاملون فيها ضغطاً شديداً وسيلاً عارماً من الأحكام القضائية والمعاملات المطلوب تنفيذها عن طريقها وأصبح في كل جريدة يومية مئات الإعلانات الموجهة إلى المنفذ ضدهم بلاغ من المحكمة بمراجعتها وقد لا يراجعون لأنهم يماطلون.

وإزاء ما تقدم ذكره فإني أقترح أن ينشأ في كل مدينة، وأخص هنا مكة المكرمة لما ذكر من أسباب، مكتب تنفيذي تابع للشرطة مدعم من الإمارة تكون له صلاحيات التنفيذ الفوري لما جاء في عقود الإيجارات، فإذا راجعهم صاحب عقار وقدم لهم صورة من العقد شاكياً من عدم وفاء المستأجر بالدفعات، اُسْتُدِعيَ مستأجر الفندق أو البرج أو العمارة أو المحلات التجارية و طُولِبَ بتقديم ما يُثبت أنه ملتزم بالدفعات وأنه سدد ما عليه، فإن لم يقدم ذلك وحاول تشتيت الأمر بادعاءات جانبية حيل بينه وبين ذلك وخُيِّرَ بين دفع ما عليه من متأخرات بوصي أو يُسحب منه العقار في مدة لا تزيد على أسبوعين تكون كافية لإخراج أثاثه من العقار ودفع فواتير الخدمات، ليستطيع المالك التصرف في ملكه ويكون له الحق في تقديم شكوى للمحاكم المختصة للمطالبة بحقوقه التي لم يدفعها المستأجر المماطل، أما أن يظل المستأجر في العقار ولا يفي بالعقد وليس عليه شيكات مرتبطة بالدفعات ولا توجد وسيلة لإخراجه من العقار ولا إلزامه بالدفع بموجب العقد، فإن في ذلك ضياعاً للحقوق وضربة قاصمة لنشاط الاستثمار العقاري والله الهادي إلى سواء السبيل.


mohammed.ahmad568@gmail.com