-A +A
محمد أحمد الحساني
يقال في المثل الشعبي الدارج: «لا تخن من ائتمنك ولو كنت خائناً»، ولكن كيف لمن تربى على الخيانة والغش أن يعي مثل هذا المثل أو يطبقه على من وثقوا به وأمنوه على حقوقهم وأموالهم ليقوم ببيعها لهم بثمن المثل وإرسال ثمنها لهم بعد أن أقنعهم أنه يستطيع ضمان أفضل سعر لتلك العقارات فقد يحصل على أرض الواقع قيام إنسان ما بتسليم صكوك عقاراته لمن وثق به وأنه خير من يسوّقها، خاصة إن هو وعد مالكها بالمن والسلوى ووعدوه بالحلوى!، ولكن قد تكون الثقة في غير محلها لأن عملية البيع تتم بأسعار عالية جداً فيقبض الوسيط الثمن كاملاً نيابة عمن وكّله في البيع ثم يرسل جزءاً منه وبشيكات بلا رصيد، وعندها تبدأ الشكوك تساور صاحب العقارات وتقوده إلى سؤال الجهة التي قامت بالإفراغ عن أثمان العقارات المباعة ليتفاجأ بأن الثمن المسجل أعلى بكثير من المبلغ المرسل له بالشيكات «الفالصو»، وعندها يزداد تأكداً أنه وضع ثقته الغالية بين يدي نصاب غشاش فتبدأ ملاحقة باستعادة الحقوق التي حاول أكلها مرتين مرة باختفاء الثمن الحقيقي للعقارات المباعة ومرة بإرسال جزء من الثمن عن طريق شيكات مرتجعة، وما ذكر يحدث كثيراً في عالم العقار للأسف الشديد حتى أصبح الشك والحذر هو السائد في التعاملات العقارية، فإن حصل شيء مما ذكر وحاول رجال طيبون التدخل للإصلاح بين الطرفين الخائن والضحية فقد تقول لهم الضحية: اذهبوا إلى صاحبكم فإن كان رجلاً فإنه سوف يعترف بأنه أخطأ وغش واستغل الثقة أسوأ استغلال وسوف يعيد الحق لأصحابه وسوف أسامحه عندها على ما صدر منه وأعتبرها زلة قدم، فإذا ذهب الأخيار إلى الطرف الثاني ونقلوا له ما قاله لهم ضحيته عارضين عليه صلحاً وتسوية تستر فعلته على طريقة «هنا حفرنا وهنا دفنّا» فإنهم قد يصطدمون بإنسان مخاتل متلون قلبه أعمى لا يستطيع به إبصار الحق، ليس لديه شيء من صفات الرجولة، مما يضطرهم للعودة إلى ضحية الغش والخداع قائلين له: لقد كنت أبعد نظراً منا فقد وجدناه خائناً وغشاشاً وقحاً أيضاً ولا ينفع معه ومع أمثاله إلا الحزم والقوة وكان الله في عونك حتى تسترد منه حقك كاملاً غير منقوص!

ولذلك فإن العاقل الحصيف هو الذي لا يمنح ثقته إلا لمن جرب التعامل معه بالمال فوجده صادقاً أميناً، أما العلاقات العابرة فإنها تبقى علاقات عابرة وهي لا تكشف معادن الرجال وأن من بينهم رجالاً من ذهب وآخرين من خُردة!؟