-A +A
عبدالرحمن الطريري
في أرض جميع اللاعبين الدوليين «سورية»، وبعد أن أعلن عن القضاء على «داعش»، ومضى كل ينسب هذا الفضل له، بدا أن اقتسام التركة أصعب من دفن القتيل، فروسيا التي منت النفس أن تنصر الأسد من سطح البناء، وتكون بمعزل عن تراشق الحجارة، الذي لن يصيبها، بل سيصيب زجاج الأدوار السفلية التي تسكنها الميليشيات الإيرانية.

لأن روسيا قبل أي طرف آخر منت النفس أن لا تكون سوريا أفغانستان جديدة، ولن تكون، لأسباب عدة أهمها سياسة أوباما تجاه سورية، ولتصل هذا الهدف وتتجنب خسائر كبرى تحرج بوتين داخليا، فقد كان مسعى روسيا لتحييد الجوار الغير عربي لسورية، تركيا وإسرائيل، لجعل مصالح البلدين تحت المظلة الروسية، وفي حدود المقبول لأن حلفاء روسيا على الأرض السورية لديهم مصالح مضادة.


روسيا ولكي تتجنب خسائر بشرية كبرى، كان لزاما عليها أن لا تكون في الصف الأمامي ضمن المعارك على الأرض، وهذا ما جعل حزب الله وبقايا جيش بشار والميليشيات الشيعية التي جلبتها إيران، هي المشارك الأساسي في المعارك ضد المعارضة السورية، وبالتالي هي التي تسيطر على الأرض، وهذا يسبب مشكلة لروسيا فقط في الجنوب السوري، حيث وصلت المصالح الإيرانية والإسرائيلية إلى حالة تضاد.

لكن الواقع السوري في 2018، يشير إلى أن تدخل الولايات المتحدة أصبح هو المزعج لروسيا، وكما أن الرسالة الأمريكية كانت واضحة بإسقاط طائرات في حميميم، والقصف الأمريكي لمرتزقة شركة «واغنر» الروسية حين عبروا نهر الفرات شرقا لمهاجمة أحد مواقع «قوات سورية الديموقراطية»، فإن الرد الروسي عبر السماح لدفاعات جوية محسوبة على إيران بمهاجمة طائرة إسرائيلية، يعني أن الإنزعاج في الكرملين وصل لحد يغير قواعد الاشتباك مع إسرائيل، مع ما يحمله ذلك من تصعيد محتمل، قد يقضي على فرص الحسم العسكري وبالنتيجة إبعاد الحل السياسي أكثر.

وفي الشمال السوري تحركت القوات التركية، للقضاء على الوجود العسكري الكردي، لكنها في واقع الأمر جبنت عن التدخل في منبج، حتى لا تصطدم بالأمريكان، بل عادت للتنسيق مع الولايات المتحدة ويبدو أن الطرفين وصلا لتفاهم، وعلى الجانب الآخر قبلت بدخول قوات النظام لعفرين، مما يعني ضمنيا تطبيعا مع نظام الأسد.

في الغوطة الشرقية اليوم مجزرة جديدة من المجازر الروسية السورية، يستعجل الروس حسمها قبل الانتخابات الروسية، كما استعجلوا إبادة حلب قبل الانتخابات الأمريكية العام الماضي، اليوم إطالة المدى الزمني للمعركة في سورية مصلحة أمريكية ومقبرة سياسية لروسيا، ولهذا بدأ خرق قرار الهدنة في مجلس الأمن بعد إقراره بساعات، لأن روسيا ترى أن الهدنة في أحد أوجهها إطالة لأمد المعركة.

في الواقع الغوطة الشرقية وسورية بشكل عام، رغم أهمية قرار مجلس الأمن السبت الماضي بالإجماع، على «وقف إطلاق النار» لمدة شهر، وبقائه أداة ضغط رغم الاختراقات، وما في القرار من شياطين التفاصيل عبر استثناء القاعدة والنصرة، ليس لأنهما حركتان غير إرهابيتين، بل لأنهما حركتان إرهابيتان لا تختلفان عن حزب الله وباقي الميليشيات الإيرانية، إلا أن الحركتين أصبحتا شماعة لضرب أي معارضة سورية بعيدة كل البعد عن الفكر التكفيري.

وبالتالي ما يحتاجه الشعب السوري حقيقة، هو قرار «وقف إطلاق العار»، والذي يتم عبر بنادق إيران وروسيا، ويتم بشكل أكبر عبر صمت بنادق دولية أخرى، تلكأت كثيرا في نصرة الشعب السوري، وسمحت لمشروع التغيير الديموغرافي الطائفي ليتمدد دون درع، وتلحفت بالعنوان البراق «الحل السياسي» في سورية، مما يمهد لفصل سورية عن عروبتها، والسماح لبشار الأسد بقتل السنة وإجلائهم، كما قضى والده عليهم وعلى المسيحيين معا، مما يسهم في جعل سورية دولة علوية، لا تشبه إلا طموحات نتنياهو في جعل فلسطين دولة يهودية.