-A +A
حمود أبو طالب
في الأنظمة الشمولية الدكتاتورية العربية التي نشأت في منتصف القرن الميلادي السابق بمسمى جمهوريات كان الحرص كبيراً على وضع واجهات بمسميات ثقافية لكنها في حقيقتها إدارات عسكرية واستخباراتية تشرف عليها فعلياً كوادر أمنية وترتبط بأعلى مستويات السلطة، وحينما كانت تقام فعالياتها كان يصاحبها ضجيج كبير ينضح منه النفس القومي والتحرري والعروبي وإلى آخر تلك المصطلحات الرنانة التي كانت سائدة، وعندما تستضيف تلك الفعاليات مثقفين من بعض الدول العربية فليس لوجه الثقافة وإنما لتصدير فكر من خلالهم بمحاولة استمالتهم واستقطابهم وتحويلهم إلى أصوات ثقافية وإعلامية لصالح تلك الأنظمة.

أي أن الحقيقة كانت عسكرة كل المؤسسات المدنية وفي مقدمتها المؤسسات الثقافية ووضعها تحت مجهر النظام بشكل استخباراتي بشع، وفي المقابل كانت الأنظمة الموصوفة بالرجعية والبداوة وغيرها من مصطلحات الحقد، كانت تسعى لتمدين كل مؤسساتها بالاهتمام بالجانب الثقافي والفكري والأدبي، وكانت المملكة أوضح وأهم نموذج لهذا التوجه عندما تحولت مؤسسة عسكرية ضخمة كالحرس الوطني لواحدة من أهم المؤسسات الثقافية عبر مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث الوطني الذي استضاف مختلف التيارات الفكرية منذ إنشائه دون تمييز أو إقصاء، والأهم دون محاولة فرض وصاية عليهم بزرع أفكار أو التخلي عن أخرى، لأن الهدف هو التثاقف والحوار والاستفادة من كل ما هو إيجابي.


ذهبت بعض تلك الأنظمة بكاملها وتهلهلت وانكشفت البقية الباقية منها، وبقيت الأنظمة التي تغلب المصالح العليا لشعوبها وأوطانها. بقيت المدنية وذهبت العسكرتاريا البغيضة.