-A +A
هاني الظاهري
بعد أسابيع من الحديث عن خلاص العالم من فظاعات ومجازر تنظيم داعش المروعة في العراق وسورية، اهتز الضمير الإنساني أمس الأول من بشاعة جديدة ومشهد وحشي في تسجيل فيديو لا يمكن نسيانه، بطله هذه المرة قوات عملية «غصن الزيتون» التركية التي اقتحمت مناطق تابعة للأكراد في سورية بحجة حماية الدولة التركية من أحلام الشعب الكردي.

«بارين كوباني» شابة كردية ظهرت جثتها في الفيديو المريع مخضبة بدمائها وملقاة على الأرض بعد تعريتها وسحلها والتمثيل بها من خلال قطع ثدييها على أيدي أفراد موالين لتركيا، فيما ظهر أحدهم وهو يضع قدمه على الجثة، مخاطبا زميله بقوله «حلوة يا زلمة»، ليسدل بعبارته تلك الستار على إحدى أبشع الجرائم التي فاقت في وحشيتها كل ما سمعه الناس وشاهدوه من فظاعات منذ اختراع الكاميرا.


اسم «بارين كوباني» باللغة الكردية يعني صرخة كوباني أو «صرخة عين العرب»، ولهذه الشابة حسب الحكايات المتداولة قصة أكثر حزنا وألما، فهي مجرد فتاة عزباء في الـ28 من العمر لم تمكنها ظروف بلادها القاسية من التحصيل العلمي الذي تحلم به قريناتها في كل مكان على سطح هذا الكوكب، إذ لم تحصل سوى على الشهادة الابتدائية، فهي من منطقة كوباني المتفجرة منذ سنوات والتي تعرضت لأبشع جرائم داعش والنظام السوري، وقُتل فيها جميع أفراد عائلتها قبل 3 سنوات ما جعلها وحيدة بلا أي أمل في هذا العالم، قبل أن تقرر الالتحاق بالمقاومة الكردية للثأر لأهلها أو اللحاق بهم، وكان لها ما أرادت بعد أن حققت حلمها أخيرا، لكن ما لم تكن تخطط له هو أن تتحول كما حدث إلى أيقونة للشعب الكردي في شتى البقاع، وأن يطلق عليها أبناء شعبها لقب «القديسة» تثبيتا لذكراها في التاريخ الكردي.

لم يعد العالم اليوم كما كان في زمن جرائم «دولة العصملي» المتهمة بارتكاب أبشع المجازر التاريخية بحق شعوب المنطقة كالأرمن والعرب والكرد، فالوحشية الطورانية التي لم تتداول صورها وسائط المعلومات (لعدم وجودها آنذاك بالشكل الحالي)، جعلت ذكرها يُختصر في بطون كتب التاريخ وبجميع اللغات، أما اليوم فلا يمكن لهذه الوحشية أن تجد موطئ قدم في العالم الحديث إلا تحت اسمها الحقيقي كمجازر تشمئز منها النفوس وتقشعر لها الأبدان وليس بطولات أو فتوحات كاذبة يمكن أن تُقرع لها الطبول، ولذلك فإن ما يظنه حامل العقلية الوحشية القديمة اليوم انتصارا في معركة هو بلغة العصر خسارة وسقوط أخلاقي وخروج مهين من الباب الخلفي للإنسانية والعالم المتحضر.

السؤال الأبرز الآن بعد انتشار مشاهد سحل «بارين»، والذي تتهرب من الإجابة عنه الحكومة التركية ومؤيدوها هو كيف يمكن للسيد أردوغان أن يقنع المجتمع الدولي وشعوب المنطقة بأنه يحارب الإرهاب؟ وأي إرهاب أو وحشية أكبر من تعرية النساء وسحلهن وقطع أثدائهن أمام الكاميرات؟! لقد انتهت المعركة يا سادة وسقط غصن الزيتون في دم بارين كوباني وشاهده العالم أجمع!