-A +A
مي خالد
لم أتعلم من قراءة الكتب أو من الدراسة أمورا مفيدة أكثر مما علمني والدي بطريقة السؤال والجواب.

يسألني في السياسة والاجتماع والفلك وحركات النجوم والمواسم الزراعية والفيزياء والشِّعر بشقيه الفصيح والنبطي ومعاني الكلمات المعجمية. حتى أن والدي مرة سألني، وقد اكتست ملامحه بالجدية: إذا ظهر لك المارد من مصباح علاء الدين وسألك عن 3 أمنيات ليحققها لكِ، فبماذا ستجيبين؟


جربت على الأقل 10 إجاباتٍ لم تعجبه. فقال لي وهو ما زال يحافظ على جديته، وكأن احتمال ظهور المارد لي ممكنة في الواقع حقا: تمني عليه أن يجعل كل أمنياتك تتحقق، وبذلك لن تحتاجي إلا أمنية واحدة وليس أكثر.

أدهشتني الإجابة الذكية وغير المتوقعة. وتذكرت أحد الصحابة الأذكياء الذي توجه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة.

أطب طعامك يعني لا تأكل من مال ليس مالك وليس حلالك، لا تختلس أو تسرق أو تزور أو ترتشِ أو تضع يدك على أموال غيرك أو تستخرج تقريرا طبيا يبرر غيابك عن عملك وأنت لم تكن مريضا، ثم ترفع يديك وتقول يا رب!، وتنتظر أن يستجيب ربك لك.

ولا تدخل ريالاً حراما على راتبك لم تكن قد عملت بما يعادله، إن شعرت في وظيفتك أنك تعمل أقل مما تكسب فاخرج ما تظن أنك لم تعمل به من راتبك على سبيل الصدقة وهكذا تهذب جشع نفسك وتفيد وطنك.

مرة جاء رجل لأبي حنيفة يشكو إليه رب عمله، فهو يعطيه أجرة لا تكفي قوت عياله، فسأله أبو حنيفة كم تتقاضى؟ فقال 3 دنانير، فقال قل لرب عملك إن أبا حنيفة يطلب منك أن تجعل أجري 4 دنانير. ثم عاد في الشهر التالي لأبي حنيفة وأخبره أن أجرته ارتفعت 4 دنانير لكنها لا تكفي أيضا. فقال: اذهب له وقل له أن يجعل أجرتك دينارين فقط.

صعق الرجل، لكن مع ذلك ذهب لرب عمله وأخبره بالخبر، ثم عاد لأبي حنيفة في الشهر التالي وهو مبتهج ومتعجب كيف أن الدينارين سدتا حاجته وحاجة عياله.

تبسّم أبو حنيفة وقال له: حين كنت تتقاضى 3 دنانير وكان حق عمل يدك دينارين فقط، دخل الدينار الحرام على الدينارين الحلال فمحق بركتهما.

لو أن كل موظف في الدولة يحفظ هذه القصة ويطبقها في حياته لما تحولت الفنادق لسجون، ولما تغيب الموظفون عن وظائفهم واستغرقوا وقت الدوام في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم استلموا رواتبهم وقد محقت بركتها.