-A +A
حمود أبو طالب
في بداية ما سمي بالربيع العربي، كنا متفائلين به في الجمهوريات التي انطلق منها، وبدأت من تونس التي عرفت ثورتها بثورة الياسمين، وسجل خلالها أحد المواطنين عبارة خالدة عندما قال: هرمنا من أجل هذه اللحظة. كنا نعتقد أن تلك الثورات انطلقت بدافع وطني خالص ولها مبررات معقولة، فقد حكمت تلك البلدان بأنظمة ليس لها من النظام الجمهوري سوى المسمى، وإلا فهي حكم الحزب الواحد والفرد الواحد ونظام تسلطي سبب التخلف والتردي للبلاد والعباد لعقود طويلة، وبالتالي كان الأمر مفهوما في ظاهره أن تثور الشعوب، وأن تنجح الثورات خصوصا في تونس لوجود مؤسسات مجتمع مدني راسخة ومجتمع على درجة كبيرة من التعليم والوعي.

ولكن مع الوقت اتضحت الحقيقة بأن كل ما حدث لم يكن سوى مخطط جهنمي لتحويل المنطقة العربية كلها إلى شتات وفتات وفوضى وتشرذم وإرهاب ودماء لا يتوقف نزيفها، تنفذه بالوكالة تنظيمات مستعدة لارتكاب أشد الجرائم بحق أوطانها من أجل الوصول إلى السلطة، في مقدمتها تنظيم الإخوان المسلمين الذي لاحت له الفرصة التاريخية للتمكين ووصل إلى السلطة في تونس ومصر، لتتحول الصورة الوردية المنتظرة لأوطان الثورات إلى صورة كئيبة كالحة خطيرة ببدء مسلسل النزاع والحروب الأهلية والإرهاب والانهيار للمؤسسات الوطنية.


الآن تتكاثر الأخبار من تونس عن بدء ما يشبه ثورة أخرى على نتائج الثورة السابقة لأن ثورة الياسمين أصبحت ثورة الأشواك والمرارة والتعب والدم والفقر والانهيار. النار التي أشعلها البوعزيزي في جسده وأشعل معها الثورة لم تثمر عن وطن ديموقراطي مستقر لأنه لا يراد لهذه البلدان أن تقوم مرة أخرى بثبات، فالعملاء والمرتزقة الذين يخدمون المخطط الشرق أوسطي ما زالوا جاهزين لإشاعة الفوضى وسفك الدماء، محزن جداً أن نتذكر تلك المسيرات وأولئك الشهداء وتلك الأحلام ثم نكتشف أن القضية برمتها لم تكن سوى استبدال ما هو سيئ بأسوأ منه. فهل بالإمكان أن تنهض تونس وينتشر فيها الياسمين كما كان يحلم أهلها؟.