-A +A
حمود أبو طالب
في مثل هذه الأيام من كل عام نكون مشغولين بالآخرين، أي الذين يحتفلون بأعياد الميلاد من المسيحيين، وبعدها مناسبة رأس السنة الميلادية. تجند شريحة لدينا نفسها بشكل كامل وبما يشبه التفرغ لهذا الأمر دون أي أمر سواه وتجعل منه قضية القضايا، لا لشيء سوى التحذير من مشاركة النصارى هذه المناسبة بأي شكل من الأشكال، وتصدر الفتاوى في حكم التهنئة وقول «ميري كريسماس» لأي أحد، ناهيكم عن الوقوف بجانب شجرة الكريسماس أو زيارة أحد منهم. وكذلك الأمر بالنسبة لرأس السنة رغم أنها مناسبة لا علاقة لها بأي دين، يحتفل بها العالم أجمع. وليت الأمر يقتصر على نصح أو تحذير المسلمين فقط، ولكن يتعدى الأمر إلى وصم الآخرين بكل مذمات الجهل والفسوق وبقية المصطلحات المشابهة.

هذا العام يبدو أن الأمر لم يعد كذلك أو ليس بنفس الحدة، لم نشاهد احتدام المواجهة بين المنتقدين لهذه المناسبة ومنتقديهم الذين يخطئونهم. الساحة يشوبها كثير من الهدوء والوعاظ المناسباتيين غشتهم السكينة وغلفهم الصمت. ربما تكون هناك بعض الأصوات لكنها خافتة أو منزوية في منابر غير شائعة، فقط لكي لا تفقد لياقتها في استمرار خطابها الذي فهمت أنه لم يعد يهتم به أحد.


أمضينا زمنا طويلا ونحن مشغولون بالآخرين، نحذر منهم ونستعدي عليهم وندعو بالويل والثبور لهم ونسأل الله أن يجفف الدماء في عروقهم ويفني نسلهم ويشتت شملهم، ليس المعتدين منهم والجائرين علينا، بل كلهم عن بكرة أبيهم لأن دينهم مختلف عن ديننا. فهل بدأت تتحقق بسرعة مقولة الأمير محمد بن سلمان أننا سنعود إلى ما كنا عليه مجتمعا معتدلا متصالحا مع نفسه ومتعايشا مع كل الثقافات والديانات؟ نرجو ذلك.