-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
الخوف غريزة فطرية عند البشر، فما من أحد إلا ويخاف من شيء ما، وفي الغالب يخاف المرء ممن هو أقوى منه، بشرا كان أم حيوانا أم غيره، وينعكس الشعور بالخوف على سلوكيات الخائف تجاه ما يخاف منه.

ومن العجيب أن يخاف الإنسان منا من بشر مثله أو حيوان ونحوه، ولا يشعر بالخوف ممن خلق البشر والحيوان، نعم، كثيرون أولئك الذين لا يخافون الله تعالى، ومن ثم نراهم وقد تجاوزوا الحدود، ووقعوا في المحظورات، ولو تمثلوا خوف الله تعالى في قلوبهم ونفوسهم، لاستقاموا على الطريقة المثلى.


وإذا كان المرء يهرب ممن يخاف، فإنه إذا خاف الله هرب إليه: «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ»، وويل لأولئك الذين لا يخافون عقاب الله وعذابه، يقول يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم، لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.

لقد نظرت في سيرة السابقين لأرى خوفهم من الله، ولأقارن ما كانوا عليه، وما نحن عليه، فوجدت في سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز تجسيدا للخوف من الله تعالى، تحكي زوجه فاطمة بنت عبدالملك عنه فتقول: ما رأيت أحدا أكثر صياما ولا صلاة منه، ولا أحد أشد فرقا – أي خوفا – من ربه منه، كان يصلي العشاء، ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه، ولقد كان معي على الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينتفض العصفور من الماء ويجلس فأطرح عليه اللحاف.

وذات ليلة، قرأ عمر بن عبدالعزيز «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»، فلما بلغ «فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى»، خنقته العبرة، فلم يستطع أن ينفذها، فرجع حتى إذا بلغها خنقته العبرة، فلم يستطع أن ينفذها، فتركها وقرأ سورة غيرها.

إنه الخوف من النار، فهل تذكرنا النار وخفنا منها، أم ألهتنا حياتنا الدنيا، فأمنا العذاب في الآخرة؟!

وللخوف من الجليل فضائل، لو علمناها لتحركت نفوسنا وقلوبنا إلى خالقها، ففي الحديث القدسي: «وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي».

والخوف من الله تعالى من موجبات الجنة، ففي سورة النازعات يقول المولى عز وجل: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»، وفي سورة الرحمن: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»، فهل نسعى إلى الفوز بالجنة؟!

والخوف من الله تعالى ليس بالكلمات، وإنما هو بالأعمال والأفعال، فكثيرون يقولون بألسنتهم أنهم يخافون الله، وأفعالهم في الحياة الدنيا لا تعكس هذا الخوف، فالخوف يجنبنا المعاصي، ويجعلنا نتقي الله في سلوكنا مع الآخرين، فلا نظلم ولا نجور ولا نعتدي ولا نبغي، وما نراه في حياتنا من ظلم وجور وعدوان، وما نلمسه في حياتنا من ذنوب ومعاصٍ وآثام، لهو خير دليل على عدم الخوف من رب العباد.

فليستحضر كل منا الخوف من الله تعالى في قلبه، ولينعكس ذلك على أفعالنا، وعندها – والله – سنحيا حياة لا اعوجاج فيها، ونسعد في دنيانا، ونحظى بالثواب في الآخرة بإذن الله تعالى.