-A +A
حسين شبكشي
لا تزال أصداء حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان مستمرة، والذي نشر في عاموده الصحفي المشهور في صحيفة النيويورك تايمز العريقة. فالحديث تضمن رأي الأمير في الكثير من المواقف والقضايا والمسائل الداخلية والخارجية بشكل واضح، وفيه معلومات جديدة وغير مسبوقة، من أهمها الموقف من إيران والتحديات الإقليمية والحرب على الفساد التي أطلقتها السعودية ونتج عنها توقيف بعض الشخصيات المختلفة وفتح التحقيق معهم، وأن الدولة تخير الشخصيات المعنية إما بالسداد باتفاق أو اللجوء إلى القضاء.

ولكن ما كان لافتا في حديث ولي العهد أنه لأول مرة وعلى لسان مسؤول سعودي كبير بمقامه يتم توضيح وتحديد فترة زرع بذرة الفساد الخبيثة في صميم الاقتصاد الوطني، وقال في ذلك الأمر بالنص وذلك بحسب ما ورد في المقابلة المذكورة «فلطالما عانت دولتنا من الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا.


وتقول تقديرات خبرائنا بأن ما يقارب 10% من الإنفاق الحكومي كان قد تعرض للاختلاس أو الهدر منذ بداية الثمانينات بواسطة الفساد».

ومعرفة تاريخ الفساد وبداياته تجعل الدولة قادرة على تعقب من كان مسؤولا عنه ومحاسبته، وخصوصا أن ولي العهد ربط الفساد بأن الإنفاق الحكومي (أي وزارة المالية التي هي مصدر الإنفاق الحكومي) تعرض منذ الثمانينات للاختلاس وللهدر بنسبة 10%، وهي نسبة مهولة ولا شك.

والأمير يشكر على أنه وضع جرسا على رقبة الجهة المعنية، وبات من الممكن معرفة المتسبب في توغل غول الفساد داخل الجسد الاقتصادي للدولة.

اليوم يتم التعامل مع شخصيات متهمة بالفساد، كل الأمل أن تتم محاسبة من وضع منظومة الفساد نفسه وهيأ الأرضية الخصبة التي نمت فيها نبتة الفساد الخبيثة، والتي لا نزال ندفع ثمنها للآن من مشاريع وهمية ومشاريع ناقصة ومشاريع غير مكتملة المواصفات؛ لأن البنية التحتية للفساد أوجدت وأسست في منظومة وزارة المالية في حقبة الثمانينات.

أهمية حديث الأمير محمد بن سلمان الأخير أنه لأول مرة يتم توجيه أصابع الاتهام إلى حقبة بعينها وإلى أسباب بعينها، وهو السر الذي كان يخشى البوح به كل من يعرفه، لأن وزارة المالية كانت لها سلطة مفزعة تستطيع أن تحرم الواشي عليها من الفرص الاقتصادية في البلاد، بـ«حرمانه» من المناقصات و«حرمانه» من التسهيلات البنكية بطريقة غير قابلة للإثبات، ولكن الكل يعلم أن وزارة المالية قد قامت بذلك الأمر مسبقا.

حجم الأذى الذي تسببت فيه وزارة المالية في حقبة الثمانينات مهول ولا نزال ندفع ثمنه لليوم، ودون محاسبة لمن تسبب في ذلك لن تكتمل منظومة المحاسبة.

حديث الأمير محمد بن سلمان لفريدمان كان مهما وفيه الكثير من المعاني والرسائل والمعلومات التي سنرى تفاصيلها في القريب العاجل، ولكنها حتما رسائل لافتة ومهمة للغاية، وترسم خريطة طريق لسياسات قادمة في الداخل والخارج. ويحتاج قارئ المقابلة العودة إليها مجددا، لأن فيها الكثير من الفائدة والإضاءات لما فات ولما هو آت.