-A +A
أحمد عجب
باعتقادي أنه حان الوقت لنعترف من قرارة أنفسنا ودونما إكراه من أحد، بأن ما يصيب جدة من أمطار وأضرار كل عام، هو في الواقع سقيا عذاب وبلاء، وهدم وغرق، هو كذلك بعد أن تفشى الفساد في تلك الجهات المعنية بتنفيذ مشاريع البنى التحتية وتصريف المياه، هو كذلك على اعتبار أن الخير يخص والشر يعم، هو كذلك مادام الفاسدون يتمتعون بالحرية ويتم تبرئة ساحتهم من كافة التهم المنسوبة إليهم، هو كذلك ما دامت جدة التي نعتبرها (غير) بقية المدن وندلعها بعروس البحر الأحمر تغرق في شبر مويه! ما إن كف المطر وأغرقت المياه الشوارع والأنفاق والبيوت والمحاكم أيضا، حتى انطلقت الهاشتاقات الناقدة والمقاطع الساخرة بمواقع التواصل الاجتماعي تجاه هذه الحالة المزرية التي وصلت إليها ثاني أكبر مدن المملكة، لكن أكثر ما لفت انتباهي، وأكثر ما أحدث بالحلق غصة، هو تعليق أحد الشباب العرب حين قال بكل عفوية وتجرد:

(معقولة يحدث كل هذا الخراب والدمار بفعل الأمطار في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم)؟!


هذا السؤال الملغم لا يحتمل سوى إجابة واحدة صريحة وشفافة، ألا وهي: نعم أيه الأعرابي حدث ويحدث هذا كل عام لانعدام (الأمانة) وضعف (الرقابة)، نحن نملك قيادة حكيمة ونملك السيولة المادية الكافية، ولكننا نفتقر للمسؤولين النزيهين الذين لا يتوانون عن تقديم استقالاتهم والتضحية بمناصبهم، نفتقر لخطة توطين الوظائف الهندسية لهذه المشاريع الحيوية بالكفاءات السعودية التي لا تجد محلا لها في ظل سطوة البعض والوافدين سوى الانتظار بقوائم البطالة الطويلة، نفتقر للمستشارين الأكفاء الذين يمكنهم وضع بنود عقود المقاولة للمشاريع العامة بصيغة جامدة يستحيل القفز أو التحايل عليها، نفتقر لمن يراعي الله قبل كل شيء وهو يكتب التقارير الأولية عن عيوب مشروع التصريف الذي تم بالأمس افتتاحه قبل أن يتحول خلال موسم الأمطار لبركة سباحة!

إذا أردنا أن يستجيب الله دعاءنا ونحن نبتهل إليه ونرفع أيادينا المرتعشة إلى السماء مع كل غيمة مطر (اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب)، علينا أن نخلص المحاسبة لوجهه سبحانه، وذلك باجتثاث شجرة الفساد من جذورها، ولن يتحقق لنا هذا إلا بإنشاء محكمة مختصة باسم (محكمة مكافحة الفساد)، تكون من عدة دوائر قضائية، كل دائرة فيها قاضٍ ومستشار قانوني خبير بالأنظمة والعقود ومهندس يملك العلم والدراية الكافية لإعطاء الرأي الفني في حينه، على أن تنتهي كل قضية مكتسبه للتدقيق في غضون ثلاثة أشهر بالكثير، أما أن تنظر القضية محكمة لديها الكثير من أنواع القضايا وتستمر المداولة فيها لسنوات عديدة فذلك بلا شك يعد مدعاة لضعاف النفوس لخلق مشاريع ركيكة واختلاسات كبيرة!

كل ما أتمناه أن تحرك صورة ذلك الطفل البريء الذي مات صعقا بالكهرباء من أثر تجمع أمطار المياه عند باب منزلهم، قلوب وضمائرالمسؤولين لمحاربة الفساد بكل قوة، إما إذا مرت الصورة بسلام، فإننا سنكون على موعد ثابت في كل عام مع سقيا عذاب!

ajib2013@yahoo.com

ajib2013@