-A +A
محمد أحمد الحساني
ليس معقولاً ولا مقبولاً أن يظل الحديث قائماً عن قضية البطالة، دون أن يلوح في الأفق أي حل لها أو حتى تنفيس تدريجي لكربتها ودرء لمخاطرها التي لا تخفى على أحد!

لقد مضت عدة عقود على نشوء البطالة بين الشباب من الجنسين، وطرحت من أجل إيجاد حل لها العديد من الأفكار «الطوباوية» التي لم ينزل أي منها على أرض الواقع، ونشرت وعود تترى بوجود برامج لتوليد مئات الآلاف من الوظائف في القطاع الخاص، يمكنها احتضان العاطلين المكتئبين المتجهين عنوة إلى المزيد من الإحباط والإحساس بالعدمية وفقدان التواصل مع الحياة نتيجة الفراغ والفاقة أحدهما أو كليهما، مما يؤدي إلى وجود استعداد نفسي للتجاوب مع المخاطر الخلقية والأمنية والأيدلوجية، ولكن تلك الوعود بالمن والسلوى والوظائف والحلوى لم يتحقق معظمها لا كماً ولا كيفاً، بل إن نسبة البطالة بين الجنسين قد ارتفعت خلال عقد واحد من 9% إلى 12% بين عدد المتقدمين للحصول على الوظائف في القطاعين العام والخاص، لأن الفرص الوظيفية التي سمح بولادتها لا تغطي ولا توازي ما تقدمه الجامعات والكليات وما هو دونها وما هو فوقها من مؤسسات، من الخريجين والخريجات إضافة إلى أن وظائف القطاع الخاص ينطبق على معظمها المثل القائل: حشف وسوء كيلة، فلا أجور مناسبة ولا أمان وظيفيا ولا مزايا، إضافة إلى دوام أسبوعي يزيد في ساعاته بمقدار يومين عن ساعات دوام العمل الحكومي، لأن الموظف الحكومي يداوم «إن داوم!» 35 ساعة في الأسبوع والموظف الأهلي 48 ساعة صارمة في الأسبوع، هذا إن لم يصاحب ذلك فظاظة في التعامل وإشهار لسيف المادة «77» السيئة السمعة!، وأجر هزيل وليل طويل!


وفي مقابل ذلك فإن هناك شكوى من عدم تأهيل الشباب من الجنسين لسوق العمل، فهم يوجهون إلى كليات جامعية برامجها مفصولة عن واقع العمل في القطاع الخاص، فيقبل بهم على مضض وفي نيته التخلص منهم في أقرب فرصة وفق مبررات شتى، وأذكر أنني كتبت قبل ما يزيد عن 30 عاماً مقالاً في جريدة الندوة تحت عنوان: «البطالة ثغرة في جدار التخطيط»، ويومها لم تكن البطالة بالحجم الحالي (العائلي)!، وقد ربطت في المقال بين خطط التنمية الخمسية وتوجيه التعليم لوضع برامج تراعي حاجات سوق العمل في القطاع الخاص، وليس لدي أدنى شك في أن العشرات من الكتاب قد كتبوا قبلي وبعدي حول المسألة نفسها مقترحين ما يرونه من حلول لقضية البطالة، ولكن جهات التخطيط لم تأخذ بآرائهم ولم تطرح من قبلها أية حلول عملية، واستمرت «الجعجعة» ولكن بلا طحين، ويبدو أنها سوف تستمر كذلك حتى حين!