-A +A
سالم الكتبي
من خلال متابعتي لتطورات الأزمة القطرية، أرى أن القيادة القطرية تخشى بالفعل إطالة أمد الأزمة وتشعر بقلق شديد من «تجميد» الوضع الحالي، وتحول العزلة القطرية إلى حالة مزمنة.

يعتقد البعض أن قطر تراهن على تآكل حماس الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، وفتور همتها ورغبتها في معاقبة قطر وإلزامها بتصحيح مسار سياساتها الخارجية، ولكن هذا الاعتقاد غير دقيق بالمرة، فالوقت يلعب في مصلحة الدول الأربع وليس في مصلحة قطر بالمرة، وكل يوم، بل كل ساعة تمر من دون حل تثير مزيداً من القلق لدى الدوحة وليس في العواصم الأربع.


دعونا نفكر في أحد أهم هواجس قطر، وهو ملف تنظيم بطولة كأس العالم 2022، الذي يعد من بين أهم الملفات القطرية خلال المدى المنظور، وهو الملف الذي يحظى باهتمام استثنائي من القيادة القطرية، ويجذب الاستثمارات القطرية بكثافة، ولكن الحقيقة أنه يواجه مصيراً غامضاً حتى الآن، والأمر لا يتعلق بالبنى التحتية والمنشآت التي ستقام استعداداً لاستضافة البطولة فقط، فهذه يمكن التغلب على عقبات المقاطعة ولو بكثير من الخسائر الاقتصادية، ولكن المشكلة الحقيقية تتمثل في أمور أخرى مهمة منها موقف الاتحاد الدولي لكرة القدم من استضافة قطر للبطولة، وهو موقف لم يتغير حتى الآن، ولكن من المحتمل أن يشهد تغيراً في غير مصلحة قطر خلال السنوات القلائل التي تفصلنا عن البطولة، في ظل ما نشهده كل فترة من تسريب لأسرار حصول قطر على حق الاستضافة بطرق غير مشروعة، ما يضع «الفيفا» في موقف حرج وينال من سمعته دولياً.

الأهم من ذلك أن بقاء حالة العزلة القطرية يهدد بإفشال البطولة تنظيمياً من الأساس، نظراً للصعوبات اللوجستية التي ستواجه التنظيم، لاسيما المجالات الجوية المغلقة في وجه المشجعين ورحلات الطيران، وضعف جاذبية المنشآت القطرية على الاستضافة بمفردها، فوجود البطولة بجانب مدن حيوية مثل دبي وأبوظبي وغيرهما يوفر لها جاذبية سياحية استثنائية، وزوال هذه الميزة يعني ضعف فرص الترويج السياحي والرياضي للبطولة، ناهيك عن أن منظمي بطولة كأس العالم ومسؤولي «الفيفا» وأعضاء الفرق الرياضية وغيرهم، سيواجهون صعوبات في السفر والقيود بسبب إغلاق المجال الجوي للبلدان الأربع، ما يضاعف تكلفة السفر ويضع قطر أمام عبء تحمل الفارق المادي للفرق والجمهور معاً، وهو أمر يصعب تنفيذه من الناحية الواقعية، لاسيما في ضوء الحسابات التي تؤكد أن قطر ستخسر عشرات المليارات من الدولارات في هذه البطولة ولن تحقق أي أرباح مادية بالمرة.

حتى لو استبعدنا فكرة الضغوط الدولية التي لا يستهان بها لسحب ملف التنظيم من قطر، فإننا أمام خطر حقيقي يواجه الاستثمارات القطرية الهائلة في هذه البطولة، فارتباط قطر بالإرهاب يضع العالم أمام حالة «منفرة» تجعل جماهيرية البطولة في مهب الريح بالفعل، فمن الصعب قبول تنظيم بطولة لكرة القدم في دولة تمتلك علاقات مشبوهة مع تنظيمات الإرهاب، وقد صدرت بالفعل تلميحات من اتحادات كرة قدم ودول عدة بشأن احتمالية الانسحاب من بطولة كأس العالم في قطر حال التأهل لها بسبب ارتباط الدوحة بتمويل الإرهاب.

هناك أيضاً ملف حقوق الإنسان والعمالة القائمة على تجهيز المنشآت الرياضية في قطر، وهو ملف آخر بالغ الحساسية ويهدد استضافة البطولة منذ الإعلان عن إسنادها لقطر، فنظام «الفيفا» يلزم المنظمة الدولية «باحترام جميع حقوق الإنسان المعترف بها دولياً وأن يسعى جاهداً لتعزيز حماية هذه الحقوق»، وهذا أمر بات مثار شكوك في الملف القطري!

الخلاصة أنه لو تم الربط بين انتهاكات قطر للأخلاقيات الرياضية سواء في كسب التنافس على استضافة بطولة كأس العالم، أو في علاقتها بتنظيمات الإرهاب وتمويله، بما يجافي مدونة قواعد السلوك الرياضية، وتاريخ قطر على صعيد انتهاكات أخلاقيات الرياضة ودورها في الرشاوى وغيرها، بجانب انتهاكات حقوق الانسان في ملف بناء المنشآت الرياضية، فإننا نكون بصدد مصير مجهول لبطولة كأس العالم 2022.

في ضوء ما سبق، تبدو إطالة أمد الأزمة بمنزلة سيناريو رعب للقيادة القطرية، التي كانت تبحث عن انتصار سياسي سريع، ورفضت، حتى الآن، الانصياع لصوت الحكمة والعقل، وظلت، ولا تزال، تراهن على ضغوط خارجية على عواصم الدول الأربع المقاطعة، ولكنها لا تدرك أن أقصى ما يمكن أن تفعله هذه الضغوط من الناحية العملية هو وقف التصعيد، أو اتخاذ إجراءات عقابية أخرى ضد قطر، ولكن هذا الوقف لا يعني انتهاء معاناة قطر، التي ظلت تحلم بانتزاع انتصار سياسي وهمي تقوم بترويجه إعلامياً!!

الحل الآن أن تفيق القيادة القطرية من أحلام اليقظة التي رسمها لها زمرة المنافقين المحيطين بأمير البلاد، وأن تسعى للبحث عن مداخل واقعية وعقلانية للتعامل مع الأزمة بدلاً من استمرار المعاناة وضياع نحو 300 مليار دولار قيمة التكلفة التقديرية أو الاستثمارات القطرية في بطولة كأس العالم التي بات حلم تنظيمها في قطر في مهب الريح من الناحية الواقعية.