-A +A
عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان
تسويق أعداء المملكة كإيران وغيرها للأمر السامي الخاص بتكوين رئاسة أمن الدولة بأنه يهدف لتفكيك وزارة الداخلية كان مدروساً. لإيمانهم الصادق أن هذا الأمر سيدمر جميع مخططاتهم لزرع شبكات تجسس وخلق ميليشيات عسكرية داخل المملكة. وينطبق عليهم قوله عز وجل «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقا منْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ».

القرار كان صادماً لهم لعدة أسباب من أهمها:


- إنشاء الرئاسة سيكون رادعاً لأي خائن قبل انخراطه في هذه التنظيمات.

- تفرغ الإدارة العامة للشؤون الفنية ومركز المعلومات الوطني للملفات الأمنية المعقدة التي تهدد أمن المملكة. وهو ما يؤهلهما للعب أدوار كبيرة لكشف التقنيات الإلكترونية لشبكات التجسس الإيرانية ووسائل التواصل بين الجماعات الإرهابية التي تستخدم برامج خاصة وحديثة. والتركيز على برامج فك التشفير لفك تشفير هذه البرامج.

الأمر السامي يؤكد أن المملكة وضعت هدفاً إستراتيجياً، وهو القضاء على الإرهاب. وانتقلت المملكة في الحرب على الإرهاب إلى الخطوة الأخيرة وهو «القضاء على العمليات الإرهابية على الأرض وتمويله».

ولذلك الأمر السامي ركز على مكافحته عسكرياً وأمنياً ومالياً. وهو جزء رئيسي في محاربة الإرهاب الذي يتخذ أربعة مسارات فكرياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً، وهو ما أعلن عنه سمو ولي العهد قبل سنتين.

الحرب القادمة

في ذات الوقت تتهيأ المملكة لخوض معركة أخرى هي الأهم في محاربة الإرهاب وهي مكافحة التطرف. فإن استطعنا القضاء عليه فلن يكون هناك إرهاب لاتباع السياسة الاستباقية. ويتعلق بمسارين هما الفكري والإعلامي.

المملكة من أوائل الدولة التي تحارب الإرهاب وتكافح التطرف بالاعتماد على المبادرات النوعية. من أهمها على مستوى العالم هي مبادرة مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، والتي أصبحت معلما من معالم مكافحة التطرف. وحملة السكينة الشعبية التي كانت لها السبق في مكافحة التطرف عبر الإنترنت منذ عام 2003م. ومروراً بالمبادرة الأهم على المستوى الإقليمي والدولي في محاربة الإرهاب بالإعلان عن إنشاء التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب وتدشين مركز اعتدال الدولي لمكافحة التطرف.

وقدمت جهات كثيرة في المملكة مجهودات كبيرة في مكافحة التطرف كتدشين برنامج فطن وإنشاء أكثر من 23 كرسيا لمكافحة التطرف في عدة جامعات. وإنشاء ستة مراكز لمكافحة التطرف مع وجود مراصد إلكترونية كمركز الحرب الفكرية في وزارة الدفاع ومركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال. وكذلك إنشاء وحدة للتوعية الفكرية داخل الجامعات وإدارات التعليم مختصة بالأمن الفكري.

ولكن الآن أصبح إعادة النظر في ملف القوة الناعمة في مكافحة التطرف ضرورة وحاجة ملحة خاصة بعد إنشاء رئاسة أمن الدولة للأسباب التالية:

- غياب الرؤية العامة لمواجهة الإرهاب إعلامياً وفكرياً وغياب الأهداف الإستراتيجية الموحدة.

- تعدد الجهات المسؤولة عن ملف مكافحة التطرف كإدارة الأمن الفكري ومركز المناصحة بوزارة الداخلية وحملة السكينة بوزارة الشؤون الإسلامية ومركز الحرب الفكرية بوزارة الدفاع.

- صعوبة التواصل والتنسيق بين هذه الجهات المتعددة.

- غياب بعض الجهات المهمة أو عدم فعاليتها في هذا الملف رغم أهميتها على سبيل المثال وزارة العمل والهيئة العامة للرياضة وهيئة مكافحة الفساد التي لها دور مهم في مكافحة التطرف، حيث إن الإرهابيين يستخدمون صور الفساد كمحتوى للتجنيد وهو ما تم رصده في عدة مناسبات.

- ومن أهم الأسباب غياب هيئة متخصصة لمكافحة الجريمة المعلوماتية في المملكة. خاصة إن الإرهاب الإلكتروني بدأ يلعب أدواراً إستراتيجية في تحقيق الأهداف الإرهابية في وقت قياسي، سواء في التجنيد أو جمع الأموال أو تدمير البنية التحتية الإلكترونية أو التجسس.

ولتجويد مخرجات القوة الناعمة في مكافحة التطرف وتوحيد الجهود والاستفادة من هذه الخبرات المتراكمة في عدة مجالات والاستمرارية، هناك إحدى الإستراتيجيات ممكن اتباعها وهي:

• إما مركزية:

- بدمج هذه الجهات تحت هيئة مستقلة. ولكن تحتاج إلى تدفق معلومات من رئاسة أمن الدولة الذي سيكون محتكراً لمعلومات في غاية الأهمية. وفي ذات الوقت ستكون الرئاسة بحاجة لمعلومات من هذه الهيئة المقترحة لأن عمل هذه الهيئة سيكون استباقياً.

- أو دمجها تحت رئاسة أمن الدولة. وهنا يتم دمج القوة الصلبة والناعمة في جهاز واحد. ولكن المسارين مختلفان وقد يغلب الجانب الأمني على الجانب الفكري، وقد يضر الاستمرارية. مع العلم وجود رجل متمرس في الملفين بحكم عمله وهو رئيس رئاسة أمن الدولة.

• أو لامركزية:

بإنشاء مجلس أعلى بقيادة ولي العهد وعضوية الجهات المعنية كاللجنة العليا لتعزيز الوسطية بالكويت، ويجب أن يقوم هذا المجلس بوضع خريطة الطريق ورسم الرؤية والإستراتيجيات العليا ووضع الأهداف الإستراتيجية. والأهم وضع معايير لتقييم أداء هذه الجهات في التعاطي مع هذا الملف.

ولا بد من إدراج ملف مكافحة التطرف ضمن رؤية 2030 للأسباب التالية:

- الحفاظ على الأمن الفكري للمجتمع السعودي.

- تجويد مخرجات هذه الجهات.

- تخفيض التكلفة التشغيلية.

- خلق فرص جديدة وكثيرة ومتعددة للقطاع الخاص للاستثمار في مكافحة التطرف ومجالات أخرى تهتم بشغل فراغ الشباب.

- خلق آلاف الوظائف الجديدة للسعوديين في مجالات مكافحة التطرف ومجالات أخرى.

وبهذا التنظيم سوف يتم جمع وتوحيد القوة الناعمة السعودية في كيان واحد وتحت هدف واحد. وستكون لدينا منظومة متكاملة لمواجهة الإرهاب تجمع أقوى قوتين في العالم القوة الصلبة والناعمة التي تملك المحتوى لمكافحة التطرف مدعومة بأذرع إلكترونية.

كما أن هذه التعديلات ستسهم مساهمة كبيرة في سهولة دخول الجهات المعنية السعودية بشكل منظم مع المنظمات الدولية الإقليمية والعالمية كأمانة مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة والتحالف الإسلامي في مكافحة التطرف. وسيعزز التعاون وتبادل الخبرات والاستفادة من هذه الجهات وإبراز الصورة الحقيقية للمملكة في مكافحة التطرف بدلاً من لجوئها إلى المواقع المشبوهة لجمع معلومات مزيفة عن المملكة، وهو ما تسبب في تشويه سمعة المملكة ومحاولة استغلالها لدى بعض الجهات الدولية لتحقيق أجندة خفية.

* عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي وخبير الأدلة الرقمية