-A +A
سالم الكتبي
من الواضح أن القيادة القطرية لم تفكر في مراجعة الذات أو إعادة الحسابات ومراجعة المواقف الإستراتيجية، وتلك بديهيات العمل السياسي في الدول المتحضرة، أما العناد والمكابرة ورفض الاعتراف بالأخطاء والتضحية بمصالح الشعوب وتقديم مصلحة الأشخاص والتنظيمات على مصالح الدول فله مسميات أخرى غير السياسة والعمل السياسي!

تلك باختصار قصة الحوار الذي أجراه أخيراً صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة القطري مع التلفزيون الرسمي للأمير، والذي واصل فيه ترديد اسطوانة الكذب والدعاية الإخوانية الممجوجة التي ترتكز على تسويق فكرة «المظلومية» وخلط الأوراق، حيث قال في حديثه «أول سؤال علينا أن نسأله في هذه الأزمة، أو أي إنسان عاقل عليه أن يسأل نفسه، وأعتقد أن الكثير من القطريين في مجالسهم وعبر السوشال ميديا ومن خلال لقاءاتنا معهم، سألنا أنفسنا هذا السؤال، هل احنا على حق؟ أو احنا غلطانين؟ علينا أن نسأل هذا السؤال؛ لأننا في الأخير نحن بشر نصيب ونخطئ، سبحان الله في إجماع تام في المجتمع أن نحن والله ما اعتدينا ولا ظلمنا»!


هذا الكلام لا يقول به عاقل أو واع، فمع افتراض أن الجهة المخولة بتقدير الموقف وتقييم السياسات وعواقبها تتمثل في الشعب القطري وليس قيادته التي ارتكبت وتورطت في كل هذه الجرائم ولا أقول الأخطاء، لأن الخطأ وارد دائما ويرتبط بسلوك البشر ويتلازم معه، ولكن الجريمة يسبقها تخطيط وإعداد، وجرائم القيادة القطرية ليست جرائم عادية بل جرائم متكاملة الأركان وارتكبت مع «سبق الإصرار والترصد»، كما يشار في القوانين الجنائية، ومع افتراض ما سبق، فإن الشعب القطري ليس مطلعاً على ما وراء الكواليس ولا يعرف أسرار الكوارث التي تسببت فيها قيادته كي يقدر على تقييم الموقف بدقة ويحكم على قرار دول المقاطعة ويتبنى حكماً موضوعياً عادلاً بشأنها.

كي يكون كلام الوزير القطري منطقياً كان لزاماً عليه أن يطلع الشعب القطري الشقيق على كل ملابسات ما يدور، واللغز الكامن وراء استضافة العناصر الإرهابية في فنادق الدوحة على نفقة الشعب القطري، والإصرار على ذلك ثم ترك الشعب يحكم بنفسه على الصواب والخطأ!

يقول الوزير القطري «اليوم الي نتعرض له ليش نتعرض له؟ هو محاولة لثني قطر عن بعض القيم، كعبة المضيوم ونصيرة المظلوم، نفس الملفات سبحان الله تتكرر على مر الأجيال، وهذا يدل على أنه وحتى الأجيال القادمة ستكون متمسكة في هذه القيم وتستمر عليها بإذن الله». وأنا أحسد هذا الرجل على جرأته على الحق، ومقدرته على الكذب البواح وخلط الأوراق المفرط، الذي فاق مهارات جوبلز، وزير الدعاية النازية الشهير!

قطر كعبة المضيوم ونصيرة المظلوم! من هم يا وزير الثقافة (لاحظ الثقافة!) المظلومون الذين تؤويهم قطر؟ أليسوا شرذمة من المطاريد الإرهابيين الملاحقين من دولهم وشعوبهم؟ من قال إن عزمي بشارة مظلوم؟ من قال إن القرضاوي بما يمتلكه من مئات الملايين في خزانات مصارف الدوحة من المظلومين؟ من قال إن عناصر الحوثي وعناصر «القاعدة» و«جبهة النصرة» والدواعش والحشد الشيعي والحرس الثوري من المظلومين؟ كان ينقص الوزير أن يضيف السلطان أردوغان والمرشد الأعلى خامنئي إلى قائمة المظلومين كي تكتمل ويصبح الحكم عليها منصفاً أمام التاريخ! دعك من هذه الشعارات الفارغة، التي لا أجد مبرراً لتفنيدها وفضح كذبها لأنها مكشوفة وعارية أمام الجميع. فجزيرتكم لم تدافع يوماً عن الحق ولم يكن العدل وحقوق الإنسان ديدنها وإلا كان الملف القطري ذاته أول هدف لها!

يقولون من باب الدعابة السينمائية: ألا تستحي يا رجل؟ كيف تتجرأ على وصف قطر التي تسببت في كل هذه الكوارث بأنها «كعبة المضيوم»؟ ألا تترك مثل هذه السخافات لإعلامك الخبيث وترتقي إلى لغة تليق بمقام «دولة» تحمل حقيبة وزارية في حكومتها!

خرج الوزير القطري أيضاً بفتوى عجيبة في هذه التصريحات المضحكة، حيث قال «الأزمة هذه سياسية بامتياز ولا يوجد شك، ولكن العجيب أن لها انعكاسات ثقافية وحضارية في المستقبل، أكثر الناس يمكن أو أكثر من افتعل الأزمة يمكن ما عنده البعد في النظرة إلى هذه الزاوية»، وهل شكك أحدهم في أنها أزمة سياسية؟! هي سياسية تعكس فشل سياسة قيادتكم لا أقل ولا أكثر، أما قصة الانعكاسات الثقافية والحضارية المستقبلية، فلك فيها مآرب أخرى، فالانعكاسات الثقافية - إن وجدت - لا تعني الصمت على تمويل الإرهاب، فأنتم وقيادتكم من يتحمل عواقبها، وأغلب ظني إن كنتم تقصدون تأثير الأزمة على علاقات الشعوب الخليجية ببعضها البعض، فدعني أبشرك بأن الشعوب تعرف الحقائق وتستشعر نبض الصدق وقادرة على كشف الزيف والخداع، فاترك هذه لضمائر الشعوب وحكمتها ودعك من هذه الزاوية ولا تتباكى عليها، وابحث عن ضالتك وكرسيك والبساط الذي يهتز من تحت أقدام قيادتك!

لا تضيعوا ما تبقى لكم من جهد في خداع الشعب القطري؛ فالشعوب أذكى من ذلك بمراحل، وعليكم استغلال الوقت في إنقاذ ما تبقى من فرص لاستمرار الحياة الكريمة للشعب القطري المغلوب على أمره.

* كاتب إماراتي