-A +A
محمد أحمد الحساني
تقول طرفة شعبية إن شخصاً لاحظ أن صديق طفولته قد أثرى ثراء غير مشروع بعد تقلده إثر تخرجه عدداً من الوظائف العامة، فكان لا يسمح بِسيْر المعاملات الإدارية والمالية حتى يتم دهن السير، فأراد ذلك الصديق نصحه بطريقة غير مباشرة، فقال له: رحم الله والدك فقد كان موظفاً نزيها لم يمد يديه إلى مال حرام قط، فرد عليه سافراً: وهل وجد مالاً حراماً حتى يأكله فلم يفعل؟ فبهت الناصح وحوقل واسترجع!

وواقع الأمر أن أي إنسان تنزلق قدماه في دروب الانحراف فإنه يكون في بداية أمره خائفاً وجلاً حذراً، يتلفت يمنة ويسرة قبل إقدامه على أي فعل منحرف سواء كان طلب رشوة أم ترويج مخدرات أم ارتكاب موبقات، ولكنه مع الأيام يكتسب الجرأة أو بالأصح الوقاحة التي تجعله يرتكب أي سلوك معوج دون أن يرف له جفن، لاسيما إذا سلم من العقوبة فأساء الأدب أكثر، وربما يمنحه تماديه في الانحراف نوعاً من التجارب المتراكمة التي تجعل أوراقه سليمة وخطواته محمية، فلا يترك أثراً لمصائبه وربما أوقع غيره في الفخ عند المساءلة، وقال إني أخاف الله رب العالمين!


فإذا اطمأن أكثر ووقر في نفسه أنه وصل إلى مرحلة من الحصانة والقوة التي تضمن له عدم المحاسبة، فقد يتبجح أمام أقرانه الذين اختاروا طريق القناعة ورضوا بالقليل من الحلال واتهمهم بالعجز عن مجاراته، وأنهم لو استطاعوا لفعلوا مثله وأكثر قائلاً لهم: خلوكم مع الأمانة والقناعة حتى تموتوا من الجوع بعد التقاعد.

وبطبيعة الحال فإن كل ما ذكر يقوده إلى الاستهتار بالقيم والسخرية من النصائح حتى لو قدمت له بطريقة لائقة، فهو لا يريد سماع إلا ما يحلو له ويشجعه على المزيد من الكسب غير المشروع والاستمتاع بما جمعه، لأن إصغاءه للنصائح «يعكنن» مزاجه ويجعله في مواجهة الواقع والحقيقة، وهو لا يريد أن يصحو من غفلته بعد أن «أحاطت به خطيئته» من كل جانب.. نسأل الله لنا ولكم السلامة من عمى البصيرة!