-A +A
يحيى الامير
في مقطع فيديو يتم تداوله حاليا يتحدث شاب قطري يتجول في لندن وهو يحمل في جيبه 15 ألف ريال قطري ويدور على عدة مصارف ليقوم بتغييرها إلى عملة البلد كما يفعل السياح عادة، لكن كثيرا من المصارف الشهيرة والموثوقة في لندن ترفض استبدال تلك العملة وتخبره بأنها لا تتعامل حاليا بالريال القطري، يبدو الضجر واضحا في حديثه الذي يختمه بشتم فنان قطري تعود الدفاع عن النظام القطري منذ بدء الأزمة.

فيما يملأ الآن هذا المقطع هواتف القطريين إضافة إلى صور ومقاطع أخرى تعكس ما هم فيه من مواجهة حقيقية مع مصير مجهول وذعر واقعي تجاه آثار المقاطعة العقابية التي يتعرض لها النظام المتمرد في قطر.


فيما توشك المهلة على الانتهاء غدا لن تكون الدول التي فرضت المقاطعة على قطر بانتظار إجابة أو تلقي رد من النظام في الدوحة، المرحلة أصبحت تقتضي دخولا غير مشروط للنظام القطري في كل ما يقيد عدوانه ويعاقبه على الأيام والسنوات الماضية، ورفع النظام القطري الراية البيضاء والتسليم بكل ما هو مطلوب منه لن يمثل سوى بداية لإعادة صياغة الفعل السياسي القطري الذي ظل مؤذيا للجيران والأشقاء ووضعه في الحاضنة الأمنية والسياسية التي تحميه من طيشه ومراهقته، وأخيرا تحرير الدوحة ممن اختطفوا قرارها السياسي والإقليمي.

إذن؛ كل السيناريوهات التي يفكر النظام القطري أنها ستكون مجدية عليه أن يدرك أنه قد فات الأوان، وحتى الإذعان الكامل سيكون له ما يتبعه من إجراءات وتقص ومتابعة هي أشبه ما تكون بالحجر السياسي على ذلك التمرد.

ماذا لو اختار النظام القطري المزيد من التصعيد؟ في الواقع فإن ذلك يعني كثيرا من الخسران الذي ربما يغير خريطة ومستقبل النظام بالكامل، وعلى النظام القطري أن يدرك أنه لا الإخوان ولا الإيرانيون يمكن أن يخوضوا مواجهة فعلية وحقيقية من أجل قطر، خاصة أنهم كل ما يقومون له لن يعدو عن استخدام قطر كورقة سياسية لتحقيق أي مستوى من المكاسب السياسية الممكنة. فما الذي في قطر يمكن أن يغامر من أجله الإخوان أو حتى الإيرانيون.

التصعيد الوحيد الممكن الذي يمكن أن يقوم به النظام القطري المتمرد يتمثل في تسليم الدوحة للميليشيات والحركات المتمردة التي تعمل باستمرار خارج منطق الدولة؛ حزب الله والحوثيين والإخوان والحشد، والاحتماء بأي منهم لحماية الطبقة الحاكمة، وهو ما سيجعل كل القوى العالمية التي لا تزال مترددة بشأن الموقف من قطر لاعتبارات اقتصادية واستثمارية تغير موقفها وسيضاعف حالة الاحتقان الشعبي التي بدأت تنتشر في أوساط القطريين.

التغريدة التي كتبها وزير الخارجية البحريني منذ أيام التي توضح أن قيام قطر باستدعاء قوات أجنبية إنما يمثل تصعيدا عسكريا في الوقت الذي لم تقم فيه أي من دول المقاطعة بأي إجراء عسكري، تكشف تلك التغريدة حجم القلق والارتباك اللذين سادا النظام القطري لسبب يسير هو أنه وحده يعلم حجم الجرائم التي ارتكبها في حق أشقائه التي تصل إلى ما يمكن وصفه بإعلان حرب مبكرة، وظن النظام القطري بأن تسليم بلاده لقوى أجنبية سوف يربك دول المقاطعة وهو إجراء يكشف حجم الورطة القطرية على كل حال.

غدا يمثل آخر أيام المهلة الممنوحة للنظام القطري. ومن الواضح أن كل الاجتماعات التي تعقدها العائلة الحاكمة في قطر لن تفضي إلى ما يرضي دول المقاطعة المتضررة من السلوك القطري طيلة هذه السنين، فإن الواقع يشير إلى خيارات واسعة وكبيرة لا تزال أمام دول المقاطعة إمكانية القيام بها ومثلما كانت الخطوات الأولى مفاجئة وغير متوقعة ستكون الخطوات التالية كذلك.

إذا كان لدى الطبقة الحاكمة في قطر فئة تستطيع التأثير في القرار وبالتالي الحفاظ على قطر نظاما ومستقبلا واقتصادا فإن الحل يكمن أولا في تنفيذ المطالب الـ 13 من أجل الحفاظ على قطر، مثلما تولت الصبر عليها طيلة السنين الماضية.