-A +A
عبدالرحمن اللاحم
لأول مرة أمر بتجربة أن أكون ضحية سرقة، مع أنني باشرت كثيرا منها بحكم عملي، لكن دون أن أكون عنصرا من عناصر الحدث، بدأت هذه التجربة المثيرة عندما طرق علي طارق ليخبرني بأن نافذة سيارتي قد هشمت، ونزلت لأرى الزجاج متناثرا في كل مكان، والمحزن عندما أخبرني السائق بأنه قد ترك الكمبيوتر داخل السيارة فكان سبب السرقة.

على الفور وكأي مواطن صالح قمت بالاتصال على (999) لأبلغ عن جريمة سرقة وأخبروني أنهم سوف يرسلون دورية للموقع، فأخذت كرسياً وجلست على قارعة الطريق أنتظر قدوم الدورية وهي بالحقيقة لم تتأخر -فقط قرابة الساعة- وحضر أحد رجال الأمن وعاين مسرح الجريمة وسألني السؤال الشهير (هل تشك بأحد؟) وأجبته بالنفي لأني إنسان مسالم جدا و(أباري الساس) كما يقول المثل النجدي، عندها أخبرني بأنه يتوجب علي أن أذهب إلى قسم الشرطة ويتم تقديم البلاغ ورفع البصمات، وانتهت بذلك المقابلة التي لم تستغرق سوى دقيقتين فقط، وإلى الآن لا أعلم الجدوى من تلك المقابلة.


كنت في غاية الاندهاش والصدمة؛ كيف يطلب مني أن أحرك السيارة التي تمثل مسرحا للجريمة لا يجوز العبث به قبل رفع الأدلة الجنائية؟ وهذا ما كان يقوله لنا أساتذتنا في القانون الجنائي، ومع صدمتي واندهاشي لم يكن أمامي إلا أن أحرك مسرح الجريمة وأذهب إلى القسم لأُبلغ، وهناك وجدت أحد الأفراد المختصين بتلقي البلاغات وسردت له قصتي التي يبدو أنها لم تكن مثيرة بما يكفي لتغير ملامح وجهه الجامدة، كنت أنتظر كلمة مواساة مثل (الحمد لله على السلامة) أو (بالحديد ولا بك يا عبدالرحمن) أو أي عبارة من العبارات التي عادة ما نتبادلها في حالات المصائب، إلا أن الموظف كان مشغولا عن ذلك بسواك كان يشوص به فاه طوال الوقت.

وبعد أن ضَبَط البلاغ أخبرني بأنه يتوجب علي أن أذهب إلى شرطة الصحافة لتُرفَع البصمات هناك، فانصدمت واندهشت للمرة الثانية؛ كيف أتحرك بالسيارة لأذهب إلى الأدلة الجنائية مع أنه يفترض أنها تأتي إليّ؟ هذا هو النظام، هذا ما أجابني به الموظف، وعندما سألته عن الضابط المناوب، فسألني عن سبب السؤال فأجبته بأنني أريد أن أشتكي عن هذه الإجراءات، وكان جوابه بكل برود بأن الشكوى تقدم لمدير شرطة منطقة الرياض، ولعله يعلم أنني كمواطن بسيط من الصعوبة أن أصل إلى تلك المكاتب الكبيرة، عندها خرجت محبطاً جداً، لأنني لم أكن سعيدا بتلك الخدمة على الإطلاق، وركبت سيارتي المهشّمة ورجعت بها إلى مكان الجريمة.

مثل هذه الجرائم لا تعني الشخص المجني عليه وإنما لها علاقة بالأمن، لأنه في مثل هذه الأحداث لا بد أن يثار سؤال: كيف تجرأ السارق بأن يقوم بكسر نافذة سيارة وسرقة ما بداخلها في مكان يعج بالناس؟!

مراكز الشرط تحتاج إلى تطوير لا يقتصر فقط على الجانب المادي، وإنما يرتكز على الجانب البشري من حيث التأهيل والتدريب على معاملة مثل هذه القضايا باحترافية، والتعاطي الجيد مع الجمهور الذين لا يأتي أحدهم إلى مركز الشرطة للنزهة، إنما دخلها لقضية تمس أمنَهُ، إضافة إلى التساؤل عن تأخر تركيب كاميرات مراقبة في الأحياء والشوارع كما هو موجود في كل مدن العالم.

إنني على يقين بأن معالي الفريق عثمان المحرج مدير الأمن العام مهتم جداً بالتطوير ويحب أن يستمع؛ لذا كتبت قصتي وأنا محظوظ لأن وجدت منبراً لأحكيها، مع أن هناك الكثير من الناس لديهم حكايا مشابهة، لكنهم لم يجدوا مكاناً ليرووها، وهذه أهم وظائف القيادات الإدارية بأن تستمع لحكايا الناس ومنها يتتبعون الخلل ليصلحوه.