-A +A
عبداللطيف الضويحي
ظلت العاصمة السعودية الرياض محط أنظار العديد من الدول والمتابعين والمهتمين بشؤون المنطقة والعالم خلال الأيام القليلة الماضية نظرا لحجم الحضور الذي شهدته القمم الثلاث ولأهمية المشاركين بتلك القمم، فضلا عن حجم المعضلات والتحديات الجمة التي تواجهها الدول العربية والإسلامية نتيجة للأزمات المتراكمة في بلدانهم والتي تفجرت حمما وبراكين مع ما سمي الربيع العربي والتي أصبحت تهدد وجود العديد من الدول العربية بكياناتها ومؤسساتها وإنسانها.

تنعقد القمة العربية الإسلامية الأمريكية في محطة زمنية فارقة لكلا الجانبين الأمريكي والعربي والإسلامي. فبعيداً عن المواقف العدائية بين الطرفين والتي يمتد إرثها للحروب الصليبية ولم ينته بالاحتلال الأمريكي للعراق والحرب على أفغانستان والدعم الأمريكي لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته على أرضه.


أغلب الدول العربية والإسلامية تملك موارد طبيعية وبشرية هائلة، لكن هذه الدول في أغلبها تعاني من الفساد والفقر وسوء الإدارة وتفتقر للرؤية التنموية وتعاني هدرا لحقوق الإنسان وعيشه الكريم ناهيك عن فتح آفاق المستقبل لبناء مجتمعات طبيعية وعلاقات سوية قائمة على العدالة والمساواة للخروج من النفق المظلم والظلام الحالك الذي يغلف نظرة الشباب اليوم، حيث تستغله المنظمات المتطرفة لاستقطاب الشباب العاطل عن العمل والزج بهم في أتون حروب لا طائل من ورائها، واستغلت هؤلاء الشباب قوى معادية للعرب والمسلمين ودمرت بلدانهم وشردت مواطنيهم في البر والبحر ما بين لاجئين ونازحين ومشردين فضلا عن القتلى والمصابين. وزرعت الفتن والطائفية وضربت اللحمة الطبيعية فضلا عن اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد.

فهل يا ترى هناك مشترك بين أمريكا من جهة والدول العربية والإسلامية من جهة أخرى؟ وهل يمكن تجسير الهوة العميقة بين الجانبين؟

الهوة كبيرة بين الجانبين، لكن الاقتصاد عصا سحرية في مثل هذه الحالات والنموذج الأوروبي خير مثال حيث يمكن للاقتصاد أن يكون جسرا للقفز على الفجوات الثقافية والتاريخية.

إن التربة الاقتصادية خصبة لكلا الجانبين إذا توافرت النوايا الصادقة وتعززت الثقة بين الجانبين، فلا تنقص الدول العربية والإسلامية العقول والتي تزخر ببعضها الكثير من دول المهجر، ولا تنقص الدول العربية اليد العاملة والتي تهافتت عليها الدول الصناعية الأوروبية إبان أزمة تدفق اللاجئين من الدول العربية وأفغانستان وغيرها، ولا ينقص الدول العربية والإسلامية الموارد الطبيعية.

إن ما ينقص الدول العربية والإسلامية هو حسن إدارة تلك الموارد البشرية والطبيعية بمناخ تسوده العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وتوفير العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد.

أمريكا تملك مفاتيح التنمية، وتستطيع أن تقدم الكثير، لكن أمريكا ليست الوحيدة في هذا العالم الذي يملك تلك المفاتيح، فغيرها دول كثيرة تملكها، وإذا كان الرئيس الأمريكي جادا بدعوته للشراكة مع الدول العربية والإسلامية فهذه بادرة يجدر بالدول العربية والإسلامية التقاطها والبناء عليها ومتابعتها.

الرئيس الأمريكي يدرك بخلفيته الاقتصادية كرجل أعمال قبل أن يكون رجل سياسة استحالة الفصل بين مسار مكافحة الإرهاب ومسار التنمية الاقتصادية في المجتمعات التي تضررت من الإرهاب والتطرف. فهل تقف طموحات الشعوب العربية والإسلامية فقط عند سقف مكافحة الإرهاب؟ إن الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين لا يمتون بصلة للتطرف والإرهاب، ولا يختلف العرب والمسلمون عن أي شعب من شعوب الأرض، فهل تتجمد التنمية الاقتصادية وتتوقف بانتظار القضاء على الإرهاب ومكافحة التطرف؟

من المستحيل القضاء تماما على التطرف في ظل ظروف اقتصادية وإنسانية تحت الصفر في بعض المجتمعات العربية والإسلامية.

ما من شك بأن ثمرة من ثمرات القمة العربية الإسلامية الأمريكية، أننا شهدنا قبل البارحة افتتاح مركز عالمي لمحاربة التطرف «اعتدال» فلعل هذا المركز أن يأخذ على عاتقه تقليص مساحة التطرف في العالم، وإجراء الدراسات على أسبابه وبيئته سواء جاء من الفقر أو من الفساد أو من الفكر والأيديولوجيا بل لعل هذا المركز يقوم بمراجعة التراث من قبل أناس مخلصين من علماء الدين والنفس والاجتماع والعلوم الإنسانية ولا يقتصر على دين واحد أو مذاهب أو طوائف معينة.

لقد أثبتت الرياض من خلال عقدها وإدارتها للقمم الثلاث قدرة لافتة وغير مسبوقة، ومن هنا لعل المملكة تأخذ على عاتقها بالتنسيق مع الدول العربية والمؤسسات العربية بأن تلعب دورا محوريا حيويا في إطلاق رؤية تنموية للدول العربية والإسلامية تنبثق من هذه القمة وغيرها من القمم وتهدف لتنمية مجتمعات الدول العربية وتمكين الإنسان العربي والمجتمعات العربية بما يعزز الاقتصادات العربية والصناعة العربية والمستقبل العربي على غرار رؤية المملكة 2030، على أن يتم تمويل هذه الرؤية التنموية العربية الإسلامية من الصناديق العربية والإسلامية والدولية.

abdulatifalduwaihi@gmail.com