-A +A
نايف الجهني
بعد فوضى الملامح والمشاهد والرؤى التي عاشها العالم خلال السنوات الماضية، وبعد أن قاربت قنابل سياسية سامة وموقوتة على الانفجار، بدأت صقور الاتزان تحلق في السماء، لتشتت غيوم التيه وتكشف عن زرقة الحياة التي تحتضن حسا إنسانيا أصبح العالم في أمس الحاجة إليه.. وأطلقت الرياض صوت النور والحق لتستقطب وتجلب كل طائر يمكنه أن يعيد حالة التحليق إلى صورتها الطبيعية، فها هي تمد أجنحتها لتشتبك مع أجنحة القوى الكبرى، لترسم هذا المشهد، ويكون تحليق السياسة الأمريكية الجديدة منطلقا من أرضها إلى فضاءات وجهات العالم كله.

إن هذه البداية التي تعكس المعنى الحقيقي لقوة سياسية حكيمة تمثلها السعودية، تفتح في الأفق صيغا جديدة من الابتهاج والبشارات لمرحلة تحمل تفاصيلها صورة تقلب كل المفاهيم المألوفة وتثور على مرحلة الفوضى والتبلد التي شكلت ثنائية اللاحلول واللاجدوى، ليكون المشهد القادم أكثر وضوحا وتمييزا لكل الأجيال التي ملت من حالة الرمادية السياسية التي أصابت عيون البلدان وبعض القادة بالعمى السياسي الذي لا يعالج إلا بمثل هذه التحركات الحاسمة واللقاءات الجادة القادرة على إخراج الرماد من العيون، التي أجبرت العالم على النظر من خلالها، والشوك من الأجساد التي استلقت على رصيف الهامش السياسي الباحث عن المزيد من العقد، لتزيد الصورة غموضا وفشلا..


إن كل شعوب العالم تتطلع اليوم إلى هذا الحدث التاريخي بأعين سئمت الانتظار وترغب في أن تفيق من سباتها السام لتنطلق في فضاء القادم الرحب بكل ثقة وأمل، فهو الحدث الذي سيفصل بين عهدين، أحدهما معتم، والآخر يحمل كل التطلعات لبزوغ فجر كوني جديد يمسح عن الصورة لونها الداكن ويعيد رسم أشجارها بألوانها الحقيقية، نافية كل محاولات الأدلجة والاختباء في الأقفاص التي تفرق العالم ولا توحده، وتسعى لتحويل المحيط من المحبة والسلام العالمي إلى جزر متناثرة يزيد تكاثرها من سطوع لهب الخلافات والتشظي.. هذه القمم ستدفع الكثيرين ممن أرادوا التشظي لهذا العالم إلى إعادة ترتيب أفكارهم ورمي أسلحة التحدي الغبية، والاعتراف بإن سلام الأرض لا ينجبه التوقف الطويل عند المفاهيم التي تجاوزها العصر والقوالب التي أدمنت عرض المزيد من الشعارات الزائفة، قمم جاءت لتوقف الأفعى القابعة في الشرق عن قذف سمها في كل الأوردة، وتقطع رأسها التي سعت لدسها في كل حالة نماء واستقرار يسعى لخلقها هذا البلد أو ذاك، متناسية أنها ليست جحورا، وإنما أقطار وكيانات لا تحيا بها إلا الطيور الحرة والأشجار العصية على مثل هذه الرياح الهوجاء..

كلنا أمل وثقة بأن لقاء الزعيمين سلمان وترامب ، سيكون هزة إيجابية عنيفة لهيكل السياسة النائم منذ سنوات، تدفع كل الأفاعي العالقة والأشواك والتصورات البالية إلى السقوط، وتقود الركب إلى دروبه الطبيعية وتوقه لمعانقة شمس الحياة من جديد..

إنه حدث ينهي كل حالات الاغتراب السياسي التي عاشتها وللأسف معظم الدول، والمتمثلة في الاتباع الجنوني للفكر السياسي المنحرف عن مسار السياسة الواعية لركب الدول التي تدرك مدى قدرتها على تخطي كل هذا والدخول إلى فلك السلام والانتظام الواضح لهذه القافلة الباحثة عن سعادة ونماء واستقرار شعوبها.

فلن يتم ربط القارات، مثلا، وتحقيق تكاملها الحيوي في ظل هذه الفوضى، ولن يتم تحقيق السلام الشامل تحت ظلال الأشجار الباهتة والمخادعة، أو على أرض المزايدات الفكرية والشعارات التي اختنق الناس في أقبيتها طويلا... فالاقتصاد العالمي لا يكتمل جريانه في أودية كثيرة الالتواء، والعمل السياسي الفاعل لن يجني شيئا في ظل فقدان التوازن في العلاقات وتباعد الكيانات المهمة في المنطقة عن بعضها، وبقاء الأوهام الأولى عالقة في الأذهان.. الشعوب تنتظر لحظات السكون، وفرص التعاون، ومجالات العمل بحب بعيدا عن أية تصنيفات تاريخية وجغرافية.. وكلنا نتطلع لأن تنطلق شمس الرياض الجديدة بكل الكواكب لتضيء العالم بنور الوعي والحسم من جديد.