-A +A
حسين شبكشي
أعلن الرئيس الأمريكي برنامج زيارته الخارجية الأولى، وستشمل السعودية، إسرائيل والفاتيكان. والسعودية ستكون وجهته الأولى، وفيها سيعقد قمة سعودية - أمريكية، وبعدها قمة خليجية وعربية أوسع مع زعماء مجلس التعاون الخليجي وبعض الزعماء العرب، وبعدها قمة إسلامية مع عدد مهم من قادة العالم الإسلامي. وأوضح أن هناك «رمزية» دينية للزيارة، وأنه سيلتقي بعواصم الديانات السماوية الإبراهيمية الثلاث ومحاولة إرسال رسالة لهم وإرساء قواعد «للتعامل» بين الدول الأقوى في العالم اليوم. ما أشبه اليوم بالأمس. الدين يعود إلى واجهة الشأن السياسي مجددا. في نهاية عقد السبعينات حدثت ثلاثة أحداث فارقة ومؤثرة جدا على العالم. في عام 1977 وصل إلى الحكم في إسرائيل حزب الليكود بزعامة المتطرف مناحيم بيجن ليكون أول حزب ديني أصولي يهودي يصل إلى حكم إسرائيل في دولة أسست على مبدأ علماني، ثم جاء في العام الذي يليه البابا بولس الثاني إلى سدة الحكم في الفاتيكان كأول بابا من بولندا وهي دولة كانت ضمن المعسكر الشيوعي الخاضع لسيطرة الاتحاد السوفيتي، وفي العام الذي تلاه وصل إلى الحكم في إيران رجل دين شديد التطرف والطائفية ولديه مشروع إقصائي، وأعلن نيته تصدير فكره الثوري للخارج. وأحدثت هذه الأحداث تغيرات عنيفة ومؤثرة، وأزكت علاقة الدين بالسياسة وإمكانية توظيف ذلك لتحقيق مصالح مختلفة. الليكود أعلن نيته ضم الجولان وغزة والقدس والضفة الغربية، وبدأ في تطبيق ذلك بشكل عملي مستندا على «حقه» التوراتي في ذلك الأمر، والبابا تم استغلال عاطفته وانتمائه لبلده الأم من قبل رونالد ريجان الرئيس الأمريكي وقتها لتحرير بولندا وتحريك الشارع فيها حتى تم «خلخلة» النظام بالتعاون مع ليخ فلسيا الكهربائي المغمور في مدينة جادنسك الذي قاد الحراك العمالي على الأرض، وبعد بولندا سقط سائر المعسكر الشيوعي تباعا الواحد تلو الآخر. وفي إيران أخرجت الفزاعة من خلف الكواليس وظهر البعبع الطائفي وكشر عن أنيابه وتحول الخطاب الديني إلى سلسلة من الإرهاصات، وعرفت المنطقة العمليات الانتحارية أولا على أيدي تنظيمات حزب الله الإرهابية و«كرت» بعد ذلك السبحة وفرطت. وطبعا حصل العديد من التصادمات بين أرباب الأديان الثلاثة بصور مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، الآن هذه الشرارة وصلت إلى المنطقة المحظورة بالنسبة للغرب، وصلت إلى أوروبا وأمريكا، وباتت مسألة الحرب على الإرهاب هي الهدف الأول، هي أهم من مواجهة روسيا والصين، وأهم من مكافحة تدهور الوضع البيئي، وأهم من مواضيع أخرى مهمة. زيارة ترمب هي لوضع قواعد جديدة للتعامل والتواصل بين المعسكر الشرقي والغربي، بين العرب والمسلمين مع غيرهم على هذا الكوكب. التطرف والتشدد لن يسمح به وأنواع خطابات الكراهية المختلفة التي كانت تمارس ومسموح بها ستجرم وتحارب. هذه الزيارة لتأطير أسلوب جديد للتواصل ووضع أرضية مشتركة إنسانية تسمح بتحقيق فكرة التعايش المشترك. دونالد ترمب يريد تحقيق إنجاز سريع يجير له، وقد يكون ميثاق عيش مشترك يتوج بسلام بين العرب وإسرائيل هو مطلبه الذي يعتزم تحقيقه يبدو نظريا حلما بعيد المنال، ولكن هو هدف يسعى إليه الرجل بشغف.