-A +A
أحمد عجب
ajib2013@

لا شك أن اسم الجهة المختصة يمنحها المزيد من القوة متى كان مهيبا ويضفي عليها طابع العجز والهوان متى كان سطحيا، وللدلالة على ذلك فإن مجرد ذكر اسم هيئة التحقيق والادعاء العام، ترتعد فرائص المجرم ويتصبب العرق من جبينه، وقد يعترف من تلقاء نفسه قبل أن يوجه إليه أي سؤال، وعلى النقيض كانت المحكمة المستعجلة سابقا، حيث كان المتهم يرى بأن الموضوع ما يأخذ معه نص ساعة، يمر يسلم ويعطيهم كلمتين ويمشي، قبل أن يتحول اسمها أخيرا للمحكمة الجزائية، هذا الاسم المرعب الذي يحرمك من النوم وأنت تتخيل ذلك البهو الواسع وأغلال المساجين ووجوه القضاة العابسين !؟.


لقد تعود المواطنون منذ ما يقارب الأربعين سنة، على تقديم مظلمتهم من أي قرار يصدر بحقهم من أي جهة حكومية إلى (ديوان المظالم)، هذا الاسم العريق الذي يعود بك إلى عهد صدر الإسلام، عندما كان يجلس الوالي أو شاه بندر التجار شخصيا أمام القاضي، ليعدل بينهم أولا في الجلسة والنظرة والكلام، قبل أن ينصف الفقير ويرد إليه حقه من صاحب الجاه والمال، هكذا أيضا كان يسير ديوان المظالم بكل ثقة وهو يحاول الانتصار عبر دوائره الثلاثة (الإدارية والتجارية والجزائية) لكل من يلجأ أليه بمظلمة بغض النظر عن قوة الجهة الحكومية المدعية أو المتهمة.

تم مؤخرا تنفيذ قرار فصل القضاءين التجاري والجزائي من الديوان إلى القضاء العام، وأصبح لكل منهما مبناه المستقل، أما ديوان المظالم فأصبح اسمه ( المحكمة الإدارية )، أقول: المحكمة الإدارية، وقد اضطررت هنا لتكرار الاسم الجديد، لأنه بالتأكيد سيمرعليكم مرور الكرام، وكأني أرى البعض منكم يسألني مبتسما: إلا وش قلت اسمه ؟!

في المبنى الشاهق الذي تم الانتقال اليه مؤخرا، علقت لوحة كبيرة كتب عليها (المحكمة الإدارية) حيث تتكدس من حوله مئات السيارات ويرتاده آلاف المراجعين، وكأن المهندس الذي صمم المبنى كان يعرف الجهة المهمة التي ستستأجره، لهذا ضغط الأدوار التي بدت وكأنها قبو أرضي لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الناس، هناك تنظر كل دائرة قضائية مالا يقل عن خمسين قضية باليوم، هذا الازدحام الشديد لم نكن نراه وديوان المظالم يحتوي على ثلاث محاكم متخصصة، لكنه بعد أن جرد من اسمه المخضرم، بدا وكأنه جهة مستجدة تغري بقلة خبرتها الأطراف المخالفة على التمادي!؟. على فكرة، لقد كان الأساس في إنشاء ديوان المظالم في السابق، هو الفصل في المنازعات المتعلقة بحقوق موظفي الدولة، والطعن في القرارات الإدارية الصادرة بحقهم، والنظر في مطالبة المواطنين بالتعويض من الحكومة، إلى جانب الخلافات المتعلقة بالعقود التي تكون إحدى الشخصيات المعنوية العامة طرفا فيها، وقد كانت القضايا التجارية والجزائية مضافة إلى أعمال الديوان فقط، ولهذا فإنه يتعين الآن العودة لمسمى (ديوان المظالم) بدلا من المحكمة الإدارية حتى تعود معه هيبة هذا المرفق القضائي المستقل، وحتى يكون لتحذير المواطن صداه حين يهدد كل من ظلمه بشكواه إلى الديوان.