-A +A
هاني الظاهري
حديث مشوق ومثير وفي غاية الأهمية، ذلك الذي نقله أمس الأول محرر واشنطن بوست «ديفيد اغناطيوس» عن سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، فهو إضافة إلى كونه وضع كثيرا من النقاط المنتظرة على الحروف، يمكن أن يوصف بـ «صافرة النهاية» لحقبة من التراجع المؤلم خيمت على المجتمع السعودي لأكثر من 3 عقود، ولم تخلّف سوى انتشار التطرف الديني وتراكم بنيان الجمود الثقافي والحضاري حتى بات من الصعب رؤية ضوء المستقبل من خلاله أو حتى تخيل ذلك حتى جاء مشروع رؤية 2030. وصل اغناطيوس إلى المملكة ضمن الوفد الإعلامي المرافق لوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، وحرص على ألا يخرج من هذه البقعة من العالم دون أن يحصل على مادة إعلامية ثرية تخدم صحيفته على المستوى الدولي وتجيب بشكل مباشر عن علامات استفهام معلقة يحيط بها ضباب الدبلوماسية منذ سنوات طويلة.. وبكل بساطة كان له ما أراد، إذ لم يواجه أي عائق في حضور لقاء مع سمو الأمير محمد بن سلمان لمدة 90 دقيقة داخل مكتبه الخاص، لينقل عنه العبارة التاريخية: «لقد ولى زمن تلك الحقبة». الحقبة المشار إليها حددها بدقة سمو الأمير - وفق ما نقل محرر الصحيفة الأمريكية - بقوله: «أنا شاب، وسبعون بالمئة من مواطنينا من الشباب.. نحن لا نريد أن نُضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال الثلاثين السنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، والتي سببت التطرف والإرهاب، نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن، نحن نريد – كما يريد الشعب السعودي – الاستمتاع بالأيام القادمة، والتركيز على تطوير مجتمعنا وتطوير أنفسنا كأفراد وأُسر، وفي نفس الوقت الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979م.... لقد ولى زمان تلك الحقبة»، كما نقل اغناطيوس في جانب آخر من الحديث عن الأمير قوله «من دون التنوع الثقافي سينتهي بنا المطاف مثل كوريا الشمالية».

أجزم أن عبارات مثل هذه تمثل لغة سياسية سعودية جديدة في غاية الوضوح والمباشرة والدقة في الضغط على الجراح، وتكشف عن إيمان حقيقي لدى الأمير بأن المرحلة التي يمر بها الوطن اليوم لم تعد تحتمل اللغة الفضفاضة والإجابات المفتوحة للتخمين، ومن هنا تأتي أهمية هذا اللقاء لمتابع الشأن السعودي داخل المملكة وخارجها.


اختصارا أقول بكل أريحية وراحة بال إن كلمات الأمير محمد بن سلمان في هذا اللقاء تحديدا شيعت جنازة ما سُمي بـ«الصحوة» التي جثمت على صدور السعوديين طويلا إلى مثواها الأخير، تلك «الصحوة الظلامية» التي أفرزت بأطروحاتها السوداء منذ ثمانينات القرن الماضي التنظيمات المتطرفة والثقافة التكفيرية العدائية وروجت للكراهية والجمود والتخلف باسم الإسلام، فيما الإسلام بريء من فكر رموزها وهرطقاتهم براءة الذئب من دم يوسف.