-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
بين الحلم والواقع مسافة شاسعة تضيق أو تتلاشى، بقدر إدراكها وبحجم التخطيط والإرادة في تنفيذه، والواقع يقول إن حجم سفر السعوديين للسياحة بالخارج القريب قبل البعيد لايزال كبيرا، والشاهد في ذلك رحلات الطيران المتجهة من مطاراتنا إلى عواصم ومدن الجوار الخليجي وما وراء البحار والمحيطات، لكن الأقربين أولى بالدليل وأعني دبي وغيرها، حيث مئات الآلاف على رحلات كاملة الحجز والعدد، وكذا الفنادق رغم كثرتها وتنوعها في تلك المدن التي تعرف كيف تجذب وتزيد من زوارها بتنوع السياحة الترفيهية والتسويقية، وهذا هو الواقع إلى اليوم.

أما الحلم الذي يخاطب العقل والأماني ونراه في الأفق بقرار صائب، فهو مشروع (القدية) الذي أعلن عنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي سيقام على مساحة 334 كيلومترا مربعا بالعاصمة الرياض، ليكون معلما حضاريا بارزا ومركزا مهما لتلبية رغبات واحتياجات جيل المستقبل الترفيهية والثقافية والاجتماعية في المملكة، ضمن الخطة الهادفة إلى دعم رؤية المملكة 2030، بابتكار استثمارات نوعية ومتميزة، تصب في خدمة الوطن والمواطن، وتسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني.


مجتمعنا يبحث عن الترفيه، وكل شريحة من المواطنين والمقيمين تجد ضالتها في المتاح لها، سواء الحدائق العامة أو المشاريع الترفيهية، وصولا إلى السفر للخارج، ففي الترفيه متعة وترويح للنفس من ضغوط الحياة، ووجود مدينة ترفيهية بهذا التنوع والمقاصد السياحية والثقافية والاجتماعية والرياضية، يمثل سياحة نظيفة تحرص عليها الأسرة السعودية. فالترفيه ليس رفاهية، إنما حاجة تحقق التوزان النفسي والبدني، والسياحة هي الأسرع نموا في العالم (أكثر من 1.2 مليار مسافر سنويا) مداخيلها أكثر من 1.3 تريليون دولار سنويا.

إذا كان التخطيط لمشروع (القدية) في الرياض بهذا الحجم والتنوع الذي يقفز بها سياحيا وتنمويا، فلماذا لا يكون للمناطق الأخرى خاصة مدننا السياحية نصيبا في هذا الاتجاه، وبعضها لها مزايا مناخية رائعة تماثل أجواء أشهر الدول السياحية، وبها مقومات بيئية وطبيعة جغرافية، ورؤوس أموال تنتظر الفرص الواعدة، ورصيد من البشر أفرادا وأسرا بالداخل بل من دول الجوار الخليجي يفضلون مدنا كثيرة عندنا، ويتطلعون فيها إلى سياحة أشمل تشبع حاجتهم من الترفيه والخدمات.

الطائف وجدة مثلا قريبتان من مكة المكرمة وتملكان عوامل جذب كثيرة وتستحقان مشاريع سياحية تستوعب وتمتع الملايين من الداخل وخلال المواسم الدينية خاصة أفواج العمرة بعد أداء المناسك، وكذلك أبها والباحة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، والشرقية التي يمكن أن تتحول إلى اتجاه معاكس وتصبح نقطة جذب لا طرد.

أعود وأتساءل: لماذا لا تقام خمس مدن سياحية في مناطق عدة على غرار مشروع العاصمة، مع فوارق نسبية في التنوع والحجم والبرامج لتتحقق نفس الأهداف التنموية الاقتصادية لبلادنا وللمجتمع، وتشغيل مئات الآلاف من أبنائنا، والحد من الاستنزاف الاقتصادي في السياحة الخارجية، وتنمية وتنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز (رؤية 2030).

مثل هذه المشاريع لن تكلف الحكومة الكثير غير الأرض والترخيص كحوافز للمستثمرين من الشركات والبنوك ورجال الأعمال لمشاريع الترفيه والفنادق والخدمات كالمطاعم والنقل وغيرها، ويمكن الاستفادة من تجارب عالمية لكل منطقة مع سرعة الإنجاز، وفي هذا فوائد عظيمة للقفز بصناعة السياحة وثقافة الترفيه وجرعات حقيقية من سعادة منشودة لاتزال في محطة الانتظار.