-A +A
عبدالعزيز الوذناني
أعلنت وزارة الإسكان أخيرا، عدة برامج تهدف لحل معضلة الإسكان التي تؤرق المواطن والمسؤول على حد سواء.

إلا أنه يبدو أن بعض هذه البرامج لم تحظ باستحسان شريحة واسعة من المواطنين، وخصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي. ولن أتطرق هنا لجميع هذه البرامج وإنما سأركز على برنامجين فقط: الأول هو نية صندوق التنمية العقارية لشراء القروض العقارية من البنك، والبرنامج الثاني هو تحويل طلبات القروض العقارية للبنوك مع تحمل الصندوق لفوائد قروض الشرائح المستحقة للدعم.


البرنامج الأول: شراء القروض العقارية

اقتراح شراء القروض العقارية من البنوك ليس شيئا جديدا، بل هو مبني على فكرة مؤسستي «فاني مأي» و«فريدي ماك» (Fannie Mae and Freddi Mac) في السوق الأمريكية.

وأعتقد أن هذه الفكرة جيدة جدا وجديرة بالتوقف عندها، وتُشكر وزارة الإسكان على تبنيها. فإذا طبقت بطريقة صحيحة (وهذه جملة شرطية وليست اعتراضية) فستمثل نقلة نوعية في القطاع العقاري، خصوصا القطاع السكني لسببين رئيسيين وهما:

أولا: التطبيق السليم لهذا البرنامج سيساهم إلى حد كبير في حل مشكلة تمويل شراء المنازل السكنية من قبل الأفراد، إذ يوفر شراء القروض سيولة للنظام البنكي؛ ما يسمح له بتمويل المزيد من تملك المنازل وهذا بدوره سيرفع نسبة الملكية في المجتمع السعودي.

ثانيا: شراء القروض العقارية يحرر البنوك من تحمل المخاطر المترتبة على عدم قدرة بعض المقترضين على السداد وهذا بدوره سيخفض تكلفة التمويل إلى حدها الأدنى، حيث تمثل المخاطر جزءا كبيرا من تكلفة القروض العقارية ويساهم في تطور صناعة القطاع العقاري، خصوصا القطاع السكني.

يجب على وزارة الإسكان قبل تنفيذ البرنامج أن توفر البيئة الضرورية لإنجاح هذا البرنامج لضمان حقوق المقترضين وحمايتهم من استغلال وتعسف البنوك المحلية من خلال الخطوات الأربع التالية:

أولا: أن يقتصر دور البنوك على إنشاء القروض العقارية لمن تتوفر فيهم الملاءة المالية والشروط الأخرى التي يحددها صندوق التنمية العقارية مقابل رسوم بسيطة جدا كخدمات للقروض، التي عادة تشمل إنشاء القروض، وتحصيل الأقساط الشهرية على أن تكون هذه الرسوم في حدها الأدنى «يمكن الاستفادة من التجربة الأمريكية في هذا الشأن».

ثانيا: يجب أن تكون شروط الإقراض واضحة وصريحة حتى لا تتوسع البنوك في عملية الإقراض من أجل زيادة إيراداتها من رسوم هذه القروض، وتُحمّل المواطنين قروضا فوق إمكاناتهم المالية؛ ما يؤدي إلى عجزهم عن سدادها في المستقبل.

ثالثا: تصنيف القروض العقارية المشتراة من البنوك ووضعها في عدة سلال «محافظ» مختلفة، وفقا لمعايير معينة يحددها البرنامج، مثل الملاءة المالية للمُقترض، والقيمة السوقية للعقار، والدفعة المقدمة من قبل المالك، والتاريخ الائتماني للمقترض وغيرها ومن ثم إصدار سندات قابلة للتداول وبعوائد سنوية مختلفة، تبعا لكل نوع من محافظ القروض المشار إليها، وهذا سيساهم في توزيع المخاطر التي قد يتعرض لها البرنامج؛ بسبب تعثر بعض قروض الأفراد العقارية، ويساعد في الحفاظ على المال العام ويضمن استمرارية البرنامج.

رابعا: بناء على ما تقدم ستكون تكلفة القروض العقارية في حدودها الدنيا، وهذا يجب أن ينعكس على فوائد الإقراض؛ ما يؤدي إلى تخفيض تكلفة التمويل.

فمثلا أحد الحلول ينطوي على أن يحدد هامش فائدة القروض العقارية التي يمكن أخذها من العميل فوق معدل السايبر «معدل الإقراض بين البنوك» بنسبة تراوح بين 1 - 3% (كحد أعلى) مع الأخذ في الحسبان عدة عوامل، مثل الملاءة المالية للمقترض، وحجم المبلغ المسدد من قيمة القرض، والتغير في القيمة السوقية للعقار، والتاريخ الائتماني للمقترض.

وفي ذلك يجب أن تُلزم البنوك بقوة القانون بتلك النسبة، وإيضاح هذه المعايير ووزنها النسبي في قرار تعديل هامش الفوائد لأصحاب القروض في كل مرة يتم تغيير معدل فائدة قروضهم، ومن الممكن أن تكون هذه الفوائد ثابتة طوال فترة العقد بناء على رغبة المقترض، المبنية على الخيارات المتاحة، التي يجب أن تُلزم البنوك بقوة القانون بإيضاحها للمقترض عند توقيع العقد، وشرحها له، وبيان آثارها المالية والقانونية في المستقبل.

البرنامج الثاني: تحويل طلبات القروض

رغم أن هذا البرنامج صاحبه الكثير من اللغط، لكن من وجهة نظري فإنه مُرشح أن يكون أحد الحلول الناجعة لمشكلة تمويل بناء المساكن، إذ سيقضي على فترة الانتظار الطويلة، ويساهم في زيادة نسبة التملك.

ولكي ينجح هذا البرنامج يجب أن ينفذ بطريقة سليمة، تضمن وصول الدعم لمستحقيه وتحمي المواطنين من استغلال البنوك المحلية.

وهذا شرط في غاية الأهمية، ولكن تحويل المواطنين على النظام البنكي الحالي، الذي أقل ما يُقال عنه أنه يعاني من احتكار القلة، وغياب المنافسة الفاعلة، وافتقاره للحد الأدنى من الحماية للمستفيدين من الخدمات البنكية؛ ما سيؤدي إلى فشل هذا البرنامج، وستكون عواقبه وخيمة ليس على أصحاب القروض فحسب، بل على القطاع العقاري، خصوصا القطاع السكني، ومن ثم على الاقتصاد الوطني ككل.

ولكي تتضح الصورة للقارئ الكريم، فإن زيارة بسيطة لما تسمى بالآلة الحاسبة، التي أعلن عنها وزير الإسكان الأسبوع قبل الماضي والموجودة على موقع الصندوق العقاري يبدو أن الصندوق العقاري وعن -حسن قصد- يستخدم نفس أسلوب حساب فوائد القروض العقارية التي استخدمتها البنوك المحلية لعقود، حتى منعتها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) قبل سنتين فقط.

للتوضيح أكثر، نأخذ المثال التالي المتداول بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو مبني إلى حد كبير على مخرجات آلة الصندوق الحاسبة المشار إليها أعلاه.

في هذا المثال، يفترض أن أحد المواطنين أراد شراء عقار بمبلغ 590 ألف ريال على أن تكون الدفعة المقدمة من قيمة العقار 90 ألف ريال، والباقي من قيمة العقار «أي 500 ألف ريال» يتم تسددها على 25 عاما بأقساط شهرية وبناء على هذه المعطيات فإن حساب قرضه سيكون على النحو التالي:

قيمة العقار 590000 ريال، والدفعة الأولى 90000 ريال، ومبلغ التمويل 500000 ريال، والقسط الشهري 3157 ريالا، ومدة التمويل بالسنوات 25 عاما، تصل شهريا إلى 300 شهر، وصافي الأرباح «الفوائد» 447100 ريال، وإجمالي المديونية 947100 ريال، ونسبة هامش الربح «معدل الفائدة» 3.6%.

التلاعب في احتساب الفائدة

الخطأ يكمن في طريقة احتساب الفائدة (الأرباح). المثال ذكر أن هامش الربح 3.6% وهذا يوحي للمقترض بأن معدل الفائدة السنوية للقرض هي 3.6%، بينما احتساب فوائد القرض في هذا المثال تمت بطريقة غريبة، ألا وهي احتساب الفوائد على أصل القرض وليس على المبلغ المتبقي من القرض (قوانين مؤسسة النقد تتطلب احتساب الفوائد على أساس القرض المتناقص، أي المبلغ المتبقي من القرض).

وصافي الفوائد التي تسمى في هذا المثال بصافي الأرباح تحتسب بالطريقة التالية:

500000 ريال × 0.036 معدل الفائدة السنوي = 18000 ريال في السنة × 25 عاما = 450000 ريال، مضافا إليها 2100 ريال، (يبدو أنها رسوم إضافية) وبالتالي أصبح ما يسمى الأرباح يصل إلى نحو 447100 ريال.

ومن هذا المثال البسيط يتضح للقارئ الكريم أن معدل الفائدة الحقيقي ليس 3.6% وإنما 5.8%، و لو كان معدل الفائدة 3.6% مثلما ذكر فإن القسط الشهري يجب أن يكون 2530 ريالا بدلا من 3157 ريالا، وصافي الأرباح سيكون 259000 ريال بدلا من 447100 ريال وإجمالي المديونية (أصل القرض + الأرباح) سيبلغ 759000 ريال (2530 ريالا × 300 شهر) وليس 947100 ريال.

لهذا فإن أقل ما يقال عن هذا المثال التوضيحي وكيفية احتساب الأقساط الشهرية، وصافي الأرباح، وإجمالي المديونية، والفائدة السنوية المُستنتجة منه بأن بها شيئا من «التضليل» للرأي العام.

فوائد صندوق العقار «عالية جدا»

وإذا كان صندوق التنمية العقارية مقتنع بمعدلات الفائدة العالية التي تصل إلى 5.8% أو حتى أكثر كما اتضح من المثال السابق، إذن لماذا لا يفصح عنها؟ وما الأسباب التي تجعل صندوقا عاما قرارته تؤثر على حياة ملايين من المواطنين وعلى السوق العقارية بأسرها أن يلجأ لهذه الطرق التي لا تخلو من التضليل على أقل تقدير.

الآلة الحاسبة ما هي إلا جزء بسيط من المشكلة، فهامش الفوائد التي يفترضها الصندوق في حسبته عالية جدا، ومعدل الفائدة الحقيقي في المثال السابق يبلغ 5.8%، وهذه تعتبر نسبة مرتفعة جدا بكل المقاييس وليس لها ما يبررها من الناحية الاقتصادية، ومن المعروف أن القروض العقارية في سوقنا المحلية، وخصوصا قروض الأفراد تعتبر قروضا أمنه، وذلك للأسباب الثلاثة التالية:

أولا: في الغالب أصحاب القروض العقارية من الطبقة الوسطى، وربما من كبار موظفي القطاع الخاص أو العام، وأعمارهم غالبا ما تكون في الأربعينات أو قريبين من هذا السن، ومن ذوي الملاءة المالية الجيدة، وخدماتهم الوظيفية قد تصل إلى خمسة وعشرين عاما.

ثانيا: القروض العقارية مضمونة بالعقار نفسه، إذ إن العقار يكتب باسم البنك، بينما المشتري عبارة عن مستأجر ويظل العقار باسم البنك إلى أن يتم تسديد أخر ريال من قيمة الشراء مضافا إليها الفوائد.

وهذا الشرط ربما يعدل في المستقبل، بحيث يرهن العقار لضمان القرض بدلا من كتابته باسم البنك، وهذا هو الأصح الذي يجب أن تعمل وزارة الإسكان على تحقيقه.

ثالثا: قيمة القرض مضمونة براتب المقترض، إذ يشترط البنك الممول التزام جهة عمل المُقترض تحويل راتب صاحب القرض إلى البنك شهريا، ولن ينظر البنك في أي طلب قرض عقاري ما لم يقدم خطاب تحويل الراتب للبنك.

وليس هذا فحسب بل القرض العقاري مضمون بخدمات وحقوق الموظف سواء أكانت الخدمات السابقة للقرض العقاري أو اللاحقة له، حيث يطلب في خطاب تحويل الراتب من جهة العمل للبنك أن يتنازل الموظف عن حقوقه وتعويضاته التقاعدية وتلتزم جهة العمل بتحويل هذه الحقوق وأي تعويضات مالية أو رواتب للموظف إلى البنك، في حالة ترك الموظف للعمل، وألا يعطى للموظف إخلاء طرف أو نقل راتبه إلى بنك آخر قبل أن يأتي الموظف بخطاب إخلاء طرف من البنك.

غياب منافسة البنوك يضر الاقتصاد

مما تقدم يتضح للقارئ الكريم أن هامش المخاطرة في القروض العقارية في سوقنا المحلية تكاد تكون معدومة، فلو تعثر بعض المقترضين فإن للبنك الحق في بيع العقار في المزاد العلني، حتى ولو بربع الثمن. وليس هذا فحسب بل للبنك الحق في ملاحقة المقترض في أمواله الخاصة لتسديد المتبقي من القرض إذا لم يف ثمن بيع العقار بالمبلغ المطلوب للبنك.

أعلم أن تنظيم البنوك والرقابة عليها ليس من اختصاص وزارة الإسكان، ولكن الوزارة الآن تتولى دفة أكبر ملف في القطاع العقاري، ألا وهو ملف الإسكان ويهمها نجاح برامجها، وخصوصا برنامجي شراء القروض العقارية، وتحويل طلبات القروض العقارية للبنوك.

ولكي ينجح هذان البرنامجان يجب أن يشعر المواطن بأن البرنامج يعمل لمصلحته وليس ضده.

فوزارة الإسكان لديها موقف تفاوضي قوي، ويجب أن تستثمره لسن التشريعات الضرورية لضمان حقوق المقترضين وحمايتهم من تعسف واستغلال البنوك.

وفي هذه الجزئية يمكن لوزارة الإسكان التنسيق مع وزارة المالية، وكذلك مجلس الشورى، فملف الإسكان ليس شأناً اقتصاديا فحسب بل له أبعاد أمنية واجتماعية تمس حياة الملايين من المواطنين سواء أكان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

لذلك فإن قيام وزارة الإسكان بإلقاء المواطنين في أحضان البنوك المحلية التي أقل ما يُقال عنها أنها شبه احتكارية وتعمل في بيئة تفتقر للمنافسة العادلة، حتى في أبسط صورها، إضافة إلى عدم توفر الحد الأدنى من الحماية للمقترضين يعتبر خطأ كبيرا جدا سيلحق الضرر بالمواطن والاقتصاد الوطني على حد سواء.

نحن نقدر ونثمن مجهودات وزير الإسكان والعاملين معه، ونعلم حجم الضغوطات التي يواجهونها، ولكن نتمنى عليهم عدم استعجال النتائج، ونتمنى عليهم أن يأخذوا الوقت الكافي لدراسة البرنامجين المشار إليهما بعناية، والعمل على توفير البيئة المناسبة لتطبيقهما لكي ينجحا ويؤتيا ثمارهما، وأتمنى عليهم ألا يتسرعوا في رمي المواطنين في براثن البنوك قبل أن تتوفر القوانين الفاعلة والعادلة لحمايتهم، وحماية المال العام من الاستغلال.

أستاذ المحاسبة المشارك

رئيس قسم المحاسبة بكلية إدارة الأعمال جامعة الفيصل - الرياض

wathnani@alfaisal.edu