-A +A
علي حسن التواتي
alitawati@

الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- لليابان هي الأولى لملك سعودي منذ 46 عاما. والملك سلمان بشخصه ليس بالغريب على اليابان ولا على العلاقات الثنائية بين البلدين، فقد سبق أن زارها في التسعينات بصفته أميرا لمنطقة الرياض، وزارها مرة أخرى في فبراير 2014 بصفته وليا للعهد حينها، ووقع خلال تلك الزيارة ثلاث اتفاقيات اقتصادية ودفاعية إضافة إلى مذكرة تفاهم بين الهيئة السعودية للاستثمار والمركز الياباني للتعاون مع دول الشرق الأوسط.


ولسنا هنا بصدد تعداد مجالات التعاون والشراكات السعودية/‏ اليابانية فهي أكثر من أن تحيط بها مقالة، ولسنا أيضا بصدد تاريخ العلاقات بين البلدين التي بدأت بوفد أرسله الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله- سنة 1930 للاحتفال في افتتاح أول مسجد في طوكيو، وتعززت بمعاهدة الشراكة الإستراتيجية سنة 1975 تحت شعار «نحو القرن الحادي والعشرين» ولكن يمكن أن نقول باختصار إن اليابان تستورد 80% من نفطها من دول الخليج وإن السعودية تأتي في المرتبة الأولى كمصدر لواردات اليابان النفطية. وإن قيمة الصادرات السعودية لليابان ارتفعت من 13.1 إلى 42.5 مليار دولار للفترة من 2004 إلى 2014 تشكل 10.9% من إجمالي الصادرات السعودية، في حين أن الصادرات اليابانية للمملكة ارتفعت لنفس الفترة من 3.8 إلى 7.41 مليار دولار، وأن الميزان التجاري يميل بقوة حتى الآن لصالح السعودية.

ورغم أن اليابان تحاول قدر المستطاع الحفاظ على التوازنات الإقليمية في تعاملاتها الثنائية في المنطقة، خصوصا في ما يتعلق بإيران، إلا أن ذلك لم يؤثر على تطوير علاقاتها الاستثنائية بالسعودية التي تخطت حد الاتفاقات الاقتصادية المحدودة إلى الشراكة الكاملة في قطاعات متعددة. بل إن السعودية تشكل بالنسبة لليابان أهمية اقتصادية وإستراتيجية خاصة كمنتج مرجح للنفط، ذلك أنها حينما اضطرت للانصياع للقرارات الأممية في مقاطعة الصادرات الإيرانية في 2012 هبطت وارداتها من النفط الإيراني بنسبة 60% ولم تجد أمامها سوى صداقتها بالمملكة كضمانة قصوى لاستقرارها الاقتصادي بتعويض الفاقد من النفط الإيراني، وتكرر هذا الوضع أيضا عند اضطرار اليابان لإغلاق مفاعلاتها النووية بعد انفجار مفاعل فوكوشيما وتزايد حاجتها للنفط كبديل عاجل للطاقة النووية.

وإذا ما عرفنا أن إيران الشاه كانت أكبر موطن للاستثمارات اليابانية في المنطقة ومدى خسارتها لتلك الاستثمارات في إيران الخميني نعرف عمق الأهمية الإستراتيجية التي تعلقها اليابان على شراكاتها السعودية والخليجية.

ولقد تعززت هذه الأهمية كثيرا حتى قبل زيارة خادم الحرمين الشريفين لليابان من خلال الزيارة التمهيدية التي قام بها سمو ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أواخر شهر أغسطس الماضي والتي أثمرت اتفاقات تمويلية لشركات سعودية وصلت قيمتها إلى 1.5 مليار دولار، كما أثمرت شراكة كبرى بين (سوفت بنك) الياباني وصندوق الاستثمارات العامة السعودي في إنشاء صندوق للاستثمارات التكنولوجية في لندن تستثمر المملكة فيه بما لا يقل عن 45 مليار دولار وتشارك اليابان فيه بما لا يقل عن 25 مليار دولار على مدى السنوات الخمس القادمة بهدف دعم الابتكارات التكنولوجية وتوطين الصناعات المتقدمة في المملكة.

وتتمثل أهمية هذه الشراكة التكنولوجية بأنها تأتي ضمن رؤية 2030 التنموية السعودية التي تطمح لقلب المعادلة الاقتصادية في تحويل الاقتصاد السعودي من اقتصاد ريعي يعتمد على القطاع النفطي إلى اقتصاد منتج يوسع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ويشجع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات منتجة أخرى.

وهذا ما يتطابق مع «الرؤية اليابانية» للاستثمار في السعودية التي عبر عنها أحد مستشاري رئيس الوزراء الياباني (ايب) بقوله «إن اليابان أكثر استعدادا للاستثمار في قطاعات الاقتصاد السعودي غير النفطية منها للاستثمار في القطاع النفطي» فاليابانيون يرغبون في الاستثمار في التقنية والتصنيع وكافة القطاعات التي تخدم خطة التحول الإستراتيجي السعودية.

وهذه الرؤية اليابانية هي ما انعكست على الأخبار الواردة من طوكيو بشأن اتفاق خادم الحرمين الشريفين ورئيس وزراء اليابان على دراسة إنشاء «منطقة اقتصادية» مشتركة بين البلدين، والموافقة على شراكات في 31 مشروعا جديدا في مجالات متعددة منها التصنيع والسياحة وسلسلة الإمداد والتموين ورغبة اليابان في إدراج أسهم أرامكو وبعض الشركات السعودية الأخرى في بورصة طوكيو.

ويبقى أن نشير إلى أنه مثلما توازن اليابان بين علاقاتها بالمملكة ودول الخليج في كفة وإيران في الكفة الأخرى فإن المملكة توازن أيضا بين اليابان والدول الكبرى على كل صعيد حتى العسكري. فمثلما تربطنا معاهدات واتفاقات مع اليابان، لم نفرط بعلاقاتنا الأخرى، وفي الوقت الذي نستقبل به أسلحة في ترساناتنا وسفنا حربية من تلك الدول زائرة في موانئنا، ندرك أن التعاون العسكري ضروري أيضا مع اليابان التي عدلت قوانينها الدستورية لتتمكن من الإسهام في محاربة الإرهاب وحماية الملاحة الدولية في مضيقي هرمز وباب المندب الذي تشكل السفن اليابانية حوالى 10% من إجمالي السفن التي تعبره يوميا، ما دفع باليابان لمجاورتنا بصفة دائمة في القرن الأفريقي بتوطين قاعدة بحرية في جيبوتي للمساهمة في حماية حركة الملاحة البحرية في المضيق، وما يعني بالتأكيد أن مستقبل التعاون العسكري بين البلدين أصبح في الأفق المنظور.

altawati@gmail.com